أحداث غير مسبوقة تشهدها دولة الاحتلال، تعيد الى أذهان الإسرائيليين مفردات اعتقدوا ردحاً طويلا من الزمن أنهم غادروها، وإلى الأبد، وأهمها ما يعتبرونه "خراب المعبد الثالث" على رؤوس أصحابه، لكنه هذه المرة بأيديهم هم، وليس من قبل أعداء الخارج، رغم أن ما يحصل بينهم يشير الى خطورة الوضع الذي بات عصيّا على التعرف على مآلاته بدقة.
يزداد خطورة الأحداث الاسرائيلية مع تصدر الاحتجاجات من قبل عدد من المسئولين الذين أشرفوا على أمن الاحتلال، وحفظ اقتصاده، ورعاية علاقاته السياسية، ممن لا يشك الإسرائيليون في نزاهتهم ومهنيتهم وولائهم لدولة الاحتلال، وعلى رأسهم رئيسي الموساد والشاباك السابقين: تامير باردو ونداف أرغمان، ومحافظ بنك إسرائيل أمير يارون، والرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية زئيف شنير، والعديد من الآخرين الذين ارتبطت الدولة باسمهم فترات طويلة، وفي شتى القطاعات والمجالات.
في هذه المرحلة لا يتردد "اليهود" في الحديث أنهم بعد ألفي عام يبدو أنهم لم يتعلموا شيئًا مما حصل لهم، وبعد مائة عام من النشاط الصهيوني النشط في ظل ظروف مستحيلة من جميع المجالات، وإنشاء دولة الاحتلال على أنقاض فلسطين المحتلة، يظهر من بينهم من يصفونهم بـ"المنحلّين" الذين على وشك تدمير المعبد الثالث، وتشتيت الإسرائيليين إلى المنفى مرة أخرى، وفق المعتقدات السائدة لديهم.
يشير الإسرائيليون بأصابع الاتهام، تصريحا وليس تلميحا، إلى حكومة الاحتلال اليمينية المشكلة من مجموعة من الأحزاب الفاشية، التي تروج بقوة لدولة فاشية بين البحر والنهر، مما سيقرّب من نهاية الدولة، في ضوء ما يعرفه شركاء نتنياهو عن حالته القانونية والعقلية، وهم بذلك يستغلون مصاعبه، ويبتزونه حتى النهاية لتحقيق أهدافهم، المدمجة مع أهدافه الخاصة، ومعاً فهما يشكلان خطرا مباشرا على الدولة.
لقد شغل نتنياهو منصب رئيس الوزراء لفترة أطول من أي رئيس حكومة آخر، ست ولايات حكومية، بإجمالي خمسة عشر عامًا، معظمها على التوالي، ورغم ذلك فهو لا يكفي بالنسبة له، وبات يعتقد أن منصب رئيس الوزراء ربما يكون صغيرًا جدًا بالنسبة له، ويريد أن يكون ديكتاتورًا إلى بقية حياته، في ظل عدم وجود دستور، ويتحكم بالكنيست والمحكمة العليا وجميع المؤسسات الأخرى.
أما شركاؤه الآخرون، من الصهاينة المتدينين فيعتبرون أنفسهم الأمناء على الدولة، باسم التوراة، ويعطونها سمعة سيئة، ويخفضون من صورتها في العالم، ويهددون وجودها بشكل كبير، مما زاد من حجم الاحتجاجات، وأضاف الى صفوفها قطاعات اسرائيلية جديدة، بما فيها جزء كبير من الليكوديين الذين يفهمون أين يقود زعيمهم الدولة، وكذلك غالبية الإسرائيليين المقيمين خارج الحدود، وجميعهم باتوا على قناعة أن هذه الحكومة تعرض للخطر استمرار وجود الدولة، حتى لو أسماهم نتنياهو الفوضويين الخونة.