إن القمم الأمنية المتلاحقة من العقبة إلى شرم الشيخ هي امتدادٌ لصناعة تعاويذ الذلّ واتفاقيات العار التي تجرّ سلطة رام الله نحو الانهيار، فمن الواضح أن هناك اتفاق بصورة من الصور، سواء كان ذلك سريًّا أو ضمنيًّا أو مصلحيًّا بين السلطة في رام الله والاحتلال على محاربة مجموعات المقاومة في الضفة الغربية في أماكن تواجدها كافة؛ خوفًا من تعاظم قوتها التي تهدد انكشاف الوجه الحقيقي للسلطة، بخروجها من عباءة حماية حقوق الفلسطينيين إلى لبس ثوبها الحقيقي في خدمة الاحتلال وظيفيًّا، وعملها على إفشال وتشويه مقاومة شعبنا صراحةً عبر تصريحات قيادتها التي تعادي المقاومة المسلحة بوضوح وجلاء.
وقد بدى جليًّا دور أجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية بحماية شعبنا في الوقت الذي تنسحب من جنين ونابلس بطبيعة الحال لتسهّل حركة وعمل قوات الاحتلال الخاصة، التي تلاحق عناصر المقاومة وتغتال المجاهدين، هذا هو مشروع التنسيق الأمني الحقيقي، والذي يعمل بهدف إنهاء نفوذ المجموعات المقاوِمة للاحتلال؛ حتى تنجح هذه السلطة في ساحات التنسيق الأمني لتحقيق مصالح شخصية سطحية بعيدة كل البعد عن الهدف السامي لشعبنا الفلسطيني بإنهاء الاحتلال واستعادة حقوق شعبنا المنهوبة من الاحتلال، نلاحظ مدى وحجم المؤامرة التي تعمل أجهزة أمن الاحتلال بالتعاون مع أجهزة التنسيق الأمني بداية من سياسية اعتقال (الباب الدوّار) لملاحقة كوادر المقاومة، نجد عجزًا واضحًا عن حماية المدنيين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية، في تخاذل ينطوي على عدم واقعية كبيرة، الأمر الذي يجعل إمكانية استمرار الشعب في الصمت على هذه السياسات ضربًا من المستحيل، إذ تقتضي الواقعيّة السياسيّة وبعيدًا عن المهاترات أن يكون الجهد الشعبي فاعلًا لرفض هذه السياسات كما رفضها شهيد كلمة الحق المناضل نزار بنات، وهو ما قد ينعكس على استمرارية هذه السلطة برام الله في الوجود، ومن هذا المنطلق فهنالك جدل ومخاوف عميقة لدى قيادة السلطة وأروقتها الأمنية من انهيار السلطة دراماتيكيًا، وهو ما يتفق مع تقارير لمحللين سياسيين تتنبأ بقرب انهيار سلطة رام الله، وتشكك في استمرارية السلطة برام الله في ظل انسلاخها عن القيم الوطنية والسير وفق نهج التنسيق الأمني، الذي صنع "كمبرادورية" سلطة رام الله وخدمة لمصالحها الشخصية، وهو ما حذّر منه رئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني رونين بار ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لخطر انهيار السلطة الفلسطينية، كما وصلت رسالة تحذير نقلها المبعوث الأمريكي الخاص بعلاقات الاحتلال والسلطة "هادي عمر" في أثناء زيارته الأخيرة، "أن الإدارة الأمريكية تخشى من فقدان السلطة الفلسطينية السيطرة على مناطقها، مناشدًا الاحتلال لاتخاذ خطوات لصالح تعزيز قوّة السلطة".
إن ما تقوم به المقاومة هو دفاع عن المشروع الوطني وتضحيات شعبنا الفلسطيني ضد جرائم وإرهاب الاحتلال، والجهود الخبيثة التي تعمل على إضعاف المقاومة تعكس حجم سطحية سلطة التنسيق الأمني في قراءة المشهد الوطني وطموحات شعبنا، إذ انحدرت لتكون أداة في خدمة الجهود الصهيونية، أما بالنسبة للشعب الفلسطيني فلن ينجحوا بكل وسائلهم الشيطانية من حرف بوصلة شعبنا، لأن المقاومة أصبحت خيارًا وطنيًّا وقرارًا شعبيًّا.
ومن جانب آخر ذلك فإن المقاومة ومحورها وتحالفاتها تلعب دورًا أساسيًّا في صياغة خطط وتكتيكات المعركة القادمة، ولن يتسامح الشعب الفلسطيني مع من يخون تضحياته.
وفي ما يتعلق بالوضع الراهن فإن بركان التصعيد العسكري ضد إرهاب الاحتلال بات في آخر مراحل ما قبل الانفجار، والدلائل على ذلك كثيرة والإرهاصات عديدة شملت: تصريحات قيادة الفصائل الوطنية والإسلامية وأبرزها نائب القائد العام لكتائب القسام مروان عيسى، وكذلك تصريح إسماعيل هنية رئيس حركة حماس ونائبه الشيخ صالح العاروري، وتصريح الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، وتصريحات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، والناطق العسكري باسم سرايا القدس أبو حمزة، والتي حملت في مجملها تحذيرات صريحة وواضحة لا تحمل تأويلات ولا تفسيرات بأن المساس بالمسجد الأقصى والعدوان على شعبنا أمر مرفوض و سيقابل برد من المقاومة. وفي جانب آخر نلاحظ أن هزيمة الاحتلال في معركة سيف القدس كشفت حجم الوهم الكبير الذي يعيشه قادة الاحتلال، وأن المقاومة الفلسطينية فاعلة وعقلانية في إدارتها للمعركة، وإن الجهود الشعبية تتكامل مع إرادة المقاومة، ومن زاوية أخرى فإن سياسة الاحتلال باتت أكثر فوضوية، وهذه الطريقة لا تعني أنها ستقلّل من حجم جرائمها، بل إنها تمارس إرهاب دولة منظم ضد كل ما هو فلسطيني، وما زالت جريمة حرق منطقة حوارة والعدوان على المدنيين في جنين ونابلس حاضرة، ولفهم ذلك فإن علينا أن ننظر للواقع الإقليمي والضغوط الواقعة فيها دولة الاحتلال، بداية من المعضلة الداخلية التي يعيشها المجتمع الصهيوني -وهو سلوك يكشف حجم هشاشة الجبهة الداخلية- وفي جانب آخر تعاظم حضور محور المقاومة وإيران، في ظل تصاعد قوة المحور، إضافة إلى أن التقارب الإيراني السعودي شكّل صفعةً لمشروع التطبيع الصهيوني في المنطقة، عبر البعد الجيو السياسي، كما أن الدول الرافضة لإرهاب الكيان من سوريا ولبنان والمقاومة الفلسطينية إذا واصلت تضافر جهودها فإن تأثيرها الميداني والعملياتي سيكون أعظم، وسيعملون للاستفادة من هذه الميزات وفق رؤية واضحة لمواجهة الكيان الصهيوني وإرهابه، في الختام فإن كل المؤشرات تدلل أن الكيان الصهيوني يحتضر وإن كل خطأ جديد يرتكبه يعجّل في هلاكه.