ما زالت دولة الاحتلال تمرّ بأكثر الأيام دراماتيكية في تاريخها، حشود تغلق الطرق السريعة، رئيسها يحذر من كارثة محدقة بها، وهجوم فدائي في قلب مجدو، على نحو غير مسبوق، والدولة تشعر بمزيد من العزلة على مستوى العالم، وتجد صعوبة في منع الأزمة من الانحدار لهاوية أخرى، في ضوء المظاهرات والمظاهرات المضادة، ومئات السيارات التي تغلق مداخل الوزارات ومنازل الوزراء احتجاجًا على الانقلاب القانوني.
بات مألوفًا مساء كل سبت، وللسبت العاشر على التوالي، رؤية عشرات، بل مئات آلاف المتظاهرين الإسرائيليين الذين يصرخون ويحذرون من تدمير الدولة الوشيك، وفي خضم أكثر الأحداث الداخلية خطورة، فإن الأزمة تأخذ مزيدًا من الاتساع حين وصل لما يسميه الاسرائيليين الخط الأحمر المتمثل بجيش الاحتلال، وإعلان العشرات من الطيارين والضباط ورجال النخبة عن عدم انخراطهم في المهام العسكرية، وصولًا إلى تحذيرات كبار المسؤولين الأمنيين والاقتصاديين ورجال الأعمال من أن الدولة تتجه نحو كارثة متحققة لا محالة.
في هذا المشهد الفوضوي الذي تحياه دولة الاحتلال ظهرت مشاهد عملية شارع ديزنغوف وسط تل أبيب، وبعدها تفجير العبوة الناسفة في مجدو، باعتبارهما تذكيرًا مؤلمًا آخر بفشل حكومة اليمين الفاشية في التعامل مع موجة العمليات الفدائية، وإخفاقها بأداء مهمتها الرئيسة المتمثلة بتحقيق الهدوء والأمن للإسرائيليين الذين يواصلون الأنين والمعاناة منذ مارس من العام الماضي مع اندلاع موجة الهجمات الفدائية الحالية.
في الوقت ذاته، فإن المجنون الدموي إبن غفير الذي عينه نتنياهو وزيرًا للأمن القومي، وبعد فشله في حفظ أمن الإسرائيليين، فإنه يحوّل قصارى جهده لمنع التظاهرات الاحتجاجية، بل وإرغام الشرطة على استخدام المزيد من العنف ضد المتظاهرين.
أما نتنياهو نفسه، فهو يرى بأم العين كيف أن الدولة تتدهور نحو مواجهة حتمية قادمة؛ ورغم ذلك فقد واصل رحلاته الاستجمامية إلى العواصم الأوروبية، مما كشف عن ازدراء للإسرائيليين، وانفصال عنهم، وإهمال استعلائي لما يعانونه من تضخم اقتصادي، وغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الفائدة، وتفاقم التنبؤات الاقتصادية الغاضبة الناجمة عن انقلابه القانوني، فيما اتهم نجله الأكبر قيادة الشرطة بالتمرد على الحكومة، وحمّلها المسؤولية عما أسماها "فوضى الفوضويين"، من خلال استخدام مفردات دنيئة لا تؤدي إلا لتفاقم الوضع، وتسخين الأجواء.
كل هذه الأحداث تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن دولة الاحتلال، ومع مرور كل يوم، تتراكم فيها الأحداث بوتيرة مذهلة، مما سيؤدي بالضرورة لتعميق الأزمة الدستورية والأمنية والاقتصادية، وقبل كل شيء الاجتماعية التي تمر بها، وتصاعد الحديث عن حرب الأشقاء القادمة في الطريق، وبلوغ الأزمة نقطة اللاعودة، مع تزايد الاعتقاد بأن نتنياهو منح شركاءه عجلة القيادة، وفقد السيطرة عليها، وبالتالي فسيواجه صعوبة باستعادة زمام الأمور، ومنع الأزمة من التدهور لهاوية أخرى.