يومًا بعد يوم تزداد القناعة الإسرائيلية باستحالة وقف الهجمات الفدائية، ما يمثّل تراجعًا عن حالة المكابرة التي اتسمت بها السياسة الاحتلالية، المستندة على فرضية تضليليّة مفادها القضاء المبرم على ظاهرة المقاومة.
في الوقت ذاته فإن القراءة الأمنية الإسرائيلية تفضل الذهاب لتحقيق هدنة ميدانية مؤقتة، عبر الخطة الأمريكية الأخيرة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، وحتى هذه لا يبدو أن شيئًا منها سيتحقق في ظل هذه الحكومة الفاشية، ولا سيما في أعقاب الهجوم الوحشي الاستيطاني على بلدة حوارة.
مع العلم أن مثل هذا العدوان الذي نفذه قطعان المستوطنين بحماية جيش الاحتلال، كان متوقعًا مع التصعيد المتزايد في تصريحات قادة الحكومة ووزرائها ضد الفلسطينيين، وما منحوه من دعم وإسناد لجريمة المستوطنين إذ بلغت ذروتها بموقف وزير المالية الفاشي سموتريتش المطالب بمحو حوارة عن الوجود.
لا يخفي الإسرائيليون -المحبطون من وضع حدٍّ نهائيٍّ لظاهرة العمليات الفدائية- أن جذور الكراهية الفلسطينية لهم متأصلة وبعيدة، لأن وجود الاحتلال في أراضيهم متجذر بعمق في قلب الصراع الدائر منذ قرابة قرن من الزمن، لأنه يعيش على أراضيهم، وهو بالنسبة لهم احتلال أجنبي، ما أوجد بيئة فلسطينية رافضة لاستمراره، وعبّد الطريق لنشوء حركات المقاومة الساعية للتخلص من الاحتلال.
متعددة هي المسميات التي يطلقها الاحتلال على ظاهرة عمليات المقاومة، بين كونها فردية غير منظمة تُنفذ عفويًّا بدون بنية تنظيمية، وأخرى موجهة عن بعد ومخطط لها، وقد تواصلت مثل هذه الهجمات من النوعين في جميع مراحل الصراع دون تغيير.
لكن شيئًا ما حدث قبل شهرين، حين تشكيل هذه الحكومة الفاشية المتفاخرة بالسعي لتنفيذ برنامج اليمين العنصري ضد الفلسطينيين، حتى أطلقوا عليها لقب "حكومة الجنون الكامل"، ولو أدت لنشوء فوضى كاملة، كل ذلك لا يهم طالما أنها تسعى لفرض الأمر الواقع، وإقامة الدولة اليهودية ذات النقاء العرقي العنصري.
صحيح أن الهجمات الفلسطينية لا تشكل تهديدًا وجوديًّا على الاحتلال، لكنها صعبة ومؤذية ومستنزفة له، في ضوء افتقاره لأي خطة إستراتيجية لاستعادة أمنه، تزامنًا مع حالة الانقسام السياسي والاستقطاب الحزبي، ما تسبب بانحراف الحكومة وقائدها بسبب الرؤية المجنونة لوزرائها المتطرفين.
كل ذلك يعني زيادة الأوضاع الأمنية للاحتلال سوءًا، في ضوء نواياه بالضمّ الكامل لجميع الأراضي الفلسطينية، مع إمساك "بن غفير" بمسؤولية أجهزة الأمن، وتشجيع اقتحامات المسجد الأقصى، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، ومنح تصاريح للبناء الاستيطاني الجديد، لإنهاء أي بصيص أمل للفلسطينيين في هذا الواقع، وهنا تبدو المقاومة مشروعة ومبررة ومنطقية!