ليس سرًّا أن دولة الاحتلال قامت بالأساس قبيل إنشائها على حملة دعائية مضللة، وما لبثت أن استمرأت هذه الدعاية الكاذبة حتى يومنا هذا بغرض استقطاب الرأي العام الدولي، وتعاطفه، وتأييده، من خلال اللعب على جملة من المعايير التي تتلاقى مع التوجهات الغربية.
اليوم، وبعد أكثر من خمسة وسبعين عاما على إنشاء الكيان المحتل، من الواضح أن الدعاية ذاتها تواجه تعثّرا لا تخطئه العين، لأن العالم ذاته الذي اشترى هذه الدعاية عقودا طويلة بات يراها اليوم بضاعة كاسدة، غير قابلة للتسويق.
لا ينكر خبراء الدعاية الإسرائيليون اليوم أنهم مصابون بالصدمة وهم يرون ذات الفئات المستهدفة من وسائلهم الدعائية تعرض عنهم، والحديث يدور عن الدول الغربية عموما، والولايات المتحدة خصوصا، حيث ينتشرون بغرض تسويق صورة الاحتلال المشوهة، لدى قادة الرأي العام والصحفيين والمؤثرين وأعضاء البرلمانات في شتى جوانب الخريطة السياسية، من خلال إلقاء المحاضرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن ما تشهده الدعاية الإسرائيلية اليوم يبدو تحدياً غير مسبوق، لأن ذات المسوقين باتوا مضطرين للحديث ضد الخطوات الانقلابية التي تتخذها الحكومة الحالية، صحيح أنهم قالوا الكثير ضدها خلف الأبواب المغلقة، وباللغة العبرية، لكنهم اليوم باتوا مطالبين بتوفير الإجابات أمام كل من يتحدثون إليه من غير اليهود والإسرائيليين ممن يسألونهم عن هذا الانقلاب، وكأن يهود الشتات وأنصار الاحتلال من غيرهم في الجوار العالمي باتوا مصدومين.
حقيقة الصدمة التي يواجهها أنصار الاحتلال حول العالم ليس لأن دعايته فاشلة أو غير ناجحة، ولكن لأنهم يرون كيف أن الدولة التي دافعوا عنها بشراسة في الكونغرس ووسائل الإعلام وشبكات التواصل وأمام الحكومات الأجنبية، في الطريق لأن تغير وجهها، وحينها لن يأتي العالم لمساعدتها، لأنها تريد تدمير نفسها من الداخل، وهكذا يقف العالم متفرجًا عليها، ويهزّ كتفيه في حالة من عدم الاكتراث واللامبالاة.
يدور الحديث تحديدا عن يهود العالم في الشتات ممن خاضوا مهمة تحقيق المشروع الصهيوني من خارج الحدود، وحشدوا أعدادهم الكبيرة، واستثمروا أموالهم، حتى أن جمع التبرعات مستمرة حتى يومنا هذا، وبمئات مليارات الدولارات، أي أن الأمر لم يقتصر على المساعدة الأمنية التي يتم تلقيها بفضل دعم ونشاط يهود أمريكا الذين يعيشون اليوم حيرة من أمرهم، ولا يصدقون ما يرونه بأمّ أعينهم من انقلاب سيشكل خطرا أولًا وقبل كل أحد على أمن الاحتلال ذاته، وليس على أحد سواه.
يزداد مأزق الدعاية الإسرائيلية بعد انضمام المزيد والمزيد من معارضي الانقلاب من شتى النخب، كرؤساء الكنيست، والأجهزة الأمنية، والقضاة والمحامين، وخبراء التكنولوجيا، ومديري البنوك، وضباط الاحتياط والطيارين، ومئات آلاف الإسرائيليين!