تُبدي السلطة في رام الله عجزًا تامًّا إزاء القيود الاقتصادية والمالية التي تفرضها اتفاقية باريس -المُوقّعة مع الاحتلال الإسرائيلي- على الشعب الفلسطيني، وسط مطالبات لها بالتخلص من هذه الاتفاقية.
ويستهجن مراقبان عجز السلطة حتى عن تعديل الاتفاقية التي أفسحت المجال أمام الاحتلال لقرصنة أموال المقاصة، وتقييد التجارة الفلسطينية مع الخارج بغلاف جمركي موحّد مع الاحتلال، وحرمان الفلسطينيين من الاستثمار في ما تُعرف بالمنطقة (ج) التي تمثل نحو 62% من مساحة الضفة الغربية.
واتفاقية باريس هي الاسم الدارج للبروتوكول الاقتصادي المُلحق باتفاقية أوسلو، ووقعتها السلطة ودولة الاحتلال في باريس في 29 أبريل/نيسان 1994.
ويوضح الاختصاصي الاقتصادي د. نائل موسى أن اتفاقية باريس التي أُبرمت بدعوى تنظيم العلاقات الاقتصادية، "خُصصت لها لجنة اقتصادية مشتركة بين السلطة والاحتلال لبحث أي خلاف عالق لتذليله، إلا أن الاحتلال تجاهل اللجنة؛ فلم تجتمع إلا مرّات قليلة جدًا".
ويبيّن موسى لصحيفة "فلسطين" أن مطالبة السلطة الاحتلالَ الإسرائيلي بتغيير بنود اتفاق باريس شهدت مماطلة إسرائيلية ورفضًا، في حين لم تكثف السلطة جهدها دوليًّا لإرغام الاحتلال على تغيير البنود.
ويُعبِّر عن أسفه لأن وفد السلطة الذي وقّع اتفاق باريس "لم يكن متخصصًا في القضايا الفنية والمالية والاقتصادية، وهو ما كشف لاحقًا أن بنود الاتفاق كانت في صالح الاحتلال".
ويلفت موسى إلى أن الاتفاقية قيّدت الاقتصاد الفلسطيني وكبّلته بشدة من جوانبه كافة، وأصبح غير قادر على الانعتاق منها، ما ساهم في تقويض الاقتصاد الوطني وعزله عن العمق العربي والإقليمي.
ويقول الاختصاصي الاقتصادي: إن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من إقامة علاقات تجارية مع دول لا تقيم دولة الاحتلال علاقة تجاريةً معها، ما حرم الفلسطينيين فرصة الاستفادة من الدول العربية.
ويشير إلى أن التعقيدات التي فرضها الاحتلال أمام التجار والمستوردين في التعامل التجاري الخارجي على المعابر والحدود اضطر التجار إلى تجاوز ذلك بالاستيراد المباشر من تجار إسرائيليين.
وينبّه إلى أن ورقة الضغط الاقتصادية التي تستخدمها سلطات الاحتلال سياسيًّا ضد الفلسطينيين هي "أموال المقاصة"، فالاحتلال لا يلتزم بتسليم ما جمعه كاملًا من تلك الأموال ويقرصن منها "ديونه"، وما يُصرَف من مخصصات لأُسر الشهداء والأسرى.
و"أموال المقاصة" التي تقدّر شهريًّا بنحو 188 مليون دولار تشمل الضرائب التي تفرضها سلطات الاحتلال على السلع الواردة للضفة والقطاع من الخارج، ومن ضريبة الدخل التي تحصّلها من العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل دولة الاحتلال، إضافة إلى رسوم معاملات أخرى.
وشرعنت دولة الاحتلال الاستيلاء على الأموال في مارس/آذار 2018 عندما صدّق الكنيست على مشروع قانون باحتجاز مبالغ تعادل قيمة المخصصات المالية التي تُدفع لعائلات الشهداء والأسرى.
اتفاقية غير صالحة
من جانبه يقول الاختصاصي الاقتصادي د. سمير الدقران أن اتفاقية باريس الاقتصادية "لم تعد تصلح الآن، لأن بنودها صِيغت لتوائم مدة خمس سنوات، بَيْد أن الاتفاقية مرّ عليها نحو 29 عامًا ولم تعدّل أيٌّ من بنودها".
ويلفت الدقران في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن مطالبات السلطة للاحتلال مباشرة وعبر وسطاء بتعديل 14 بندًا من اتفاقية باريس وُوجِهت بالرفض والمماطلة، مبينًا أن السلطة تطالب بإنشاء مناطق جمركية تخص الجانب الفلسطيني للتقليل من الاعتماد على الاحتلال الإسرائيلي في إيرادات المقاصّة، ومدّ خط مباشر في نقل البترول ومشتقاته من دولة الاحتلال للسلطة لتوفير أموال النقل.
ويشير إلى أن الواردات والصادرات الفلسطينية تخضع لإجراءات أمنية وجمركية إسرائيلية بالغة التعقيد ما يؤخر عمليات التجارة مع العالم ويجعلها أكثر كلفةً.
ويكمل الدقران أن الاحتلال الإسرائيلي يحظر على الاقتصاد الفلسطيني التعامل التجاري بحرية مع العاصمة الفلسطينية القدس، في الإنتاج والتصدير والاستيراد، مشيرًا إلى أن القدس تساهم بنحو 15% من الناتج المحلي.