رويدًا رويدًا تخرج الأمور عن سيطرة حكومة الاحتلال، مع اتساع رقعة المنضمين لدائرة الاحتجاجات الرافضة لـ"انقلابها" القضائي، لتصل أخيرًا إلى نخبة مقاتلي سلاح الجو، المكلفين بتنفيذ هجمات عدوانية بعيدة المدى، ولذلك يسمون بـ"سرب المطرقة"، ما زاد المخاوف أن ما يمكن تسميتها بـ"اللعبة" السياسية والحزبية باتت في خطر.
تمثل هذه الخطوة غير المسبوقة التي شملت عشرات الطيارين المتمرسين، ذروة الرفض الاسرائيلي المتصاعد لإجراءات الحكومة، ما يسمح للمراقب عن بعد، الفلسطيني وسواه، الذين يعتمدون على المعلومات المفتوحة، أن يشخصوا بدقة نقطة الانهيار لدى الاحتلال، مع أن الحديث لا يدور عن اليوم وغدًا، لكنها البدايات التي غالبا ما هرب منها قادة المشروع الصهيوني.
صحيح أننا لسنا أمام ظاهرة الرفض الأولى في جيش الاحتلال، فقد عرف مثلها في حرب لبنان الأولى 1982، وتكررت في انتفاضتي الحجارة والأقصى 1987 و2000، وصولًا إلى تنفيذ الانسحاب من غزة في 2005، وواجه الرافضون محاكمات تأديبية، وحكم عليهم بالسجن من 21 إلى 28 يومًا، وقدم بعضهم لمحكمة عسكرية، والبعض الآخر تم فصلهم من وحداتهم.
لكننا اليوم أمام نموذج مختلف من التهديد برفض الخدمة العسكرية، سواء في الأسباب والدوافع، وهي سياسية حزبية داخلية تتعلق بهوية دولة الاحتلال، أو في نوعية الرافضين النخبوية من غير الجنود العاديين، بل من المنتسبين لسلاح الجو المسمى "ذراع الاحتلال الطويلة".
تتزامن ظاهرة رفض طياري النخبة للانخراط في مهام قتالية احتجاجًا على سياسات الحكومة مع ما يواجهه الاحتلال من سيناريوهات عسكرية مقلقة له، لأنه قد يجد نفسه في مواجهة حرب أمام عدد من الجبهات: قطاع غزة الضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، وصولًا للقتال في الدائرة البعيدة المقصود بها إيران، حتى السيناريوهات المتواضعة الأكثر ترجيحًا، وتتضمن بعض المواجهات المحدودة فقط، تتطلب تفعيل احتياطيات كاملة الحجم.
عديدة هي الاسئلة التي يطرحها الاسرائيليون على أنفسهم للتعرف على نتيجة الزيادة المطردة في أعداد الجنود والضباط الرافضين للخدمة، النظامية منها والاحتياط، لأنها تهدد باقتحام الدولة من الداخل، نحو مستقبل قاتم لكسر لن يلتئم قريبًا فيها، دون الحديث بعد عن المخاطر الأمنية القادمة من الخارج.
التخوف الإسرائيلي الأكبر أنه عندما تندلع أي مواجهة عسكرية وشيكة مع واحدة من الجبهات المرشحة، فلم يميز "الأعداء" بين معارضي "الانقلاب القضائي" وأنصاره، لأنهم سيهتمون أكثر بتوجيه الضربات الموجعة للدولة في عمومها بما يزيد عن الجولات السابقة.
مع العلم أن الآونة الأخيرة شهدت تحذير عدد من كبار الجنرالات عن سير الدولة باتجاه أزمة محتملة يكون فيها الجيش والشرطة مطالبين بالاختيار بين الانصياع لأوامر القيادة السياسية، أو أوامر المعارضة، لكونه تصرفًا غير مسؤول، ومن شأنه إثارة فتنة داخلية، ومقدمة لتمرد عام وعصيان شامل.