يدرك الإسرائيليون أن القوى المعادية للاحتلال في المنطقة تسعى إلى الاستفادة قدر الإمكان من انعدام التماسك بينهم، وهذا من حقها المشروع طبعاً، لأن اتساع الخلافات السياسية فيها قد -أقول قد- تمنعه من التعامل مع تهديدات خارجية كبيرة يستلزم وجود حالة من الإجماع داخله، وهي أبعد ما تكون هذه الأيام.
مع أن ذات القوى، ومنذ انتخابات الكنيست، ووصول اليمين الفاشي، تراقب الأوضاع الإسرائيلية عن كثب، ولا سيما ما رافق عملية تشكيل الحكومة، وسلوك أعضاء الائتلاف، والتغييرات التي حدثت في عملية صنع القرار منذ بدء عملها.
ذات القوى، كما هو معروف بالتأكيد، على دراية بالخطاب العام المحيط بتكوين حكومة الاحتلال، والتغييرات القانونية التي تروج لها، ولذلك من الطبيعي أن تحظى هذه التطورات والاحتجاجات المرافقة لها في أوساط الجماهير الإسرائيلية المختلفة باهتمام كبير، مع ما يشمله ذلك من متابعة إعلامية مكثفة للوضع الإسرائيلي الداخلي، ونشر أخبار تفصيلية حول الوضع الاقتصادي، والانقسامات، واحتجاجات الفئات المعارضة، وإمكانية توجيه رسائل نحو القُراء الإسرائيليين، إن أمكن ذلك، بهدف تقديم دولة الاحتلال على أنها ضعيفة داخليًّا، ولا تتصل أجزاؤها ببعضها البعض، على الرغم من قوتها الفتاكة العسكرية.
ولئن كان من حق القوى المعادية للاحتلال أن تصورها لأنصارها باعتباره دولة ضعيفة وممزقة بسبب خلافاتها الداخلية، والإيحاء لهم بأنها آخذة في التلاشي، وبالتالي تقديمها على أنها فاشلة، لكن ذلك لا يجب أن يكون بإغفال عناصر قوتها ومناعتها، بدليل قدرتها على البقاء أكثر من سبعة عقود وسط بحر عربي متلاطم الأمواج، وتهديدات لم تتوقف لحظة واحدة!
مع العلم أن الاحتجاجات الحالية مختلفة عن سابقاتها، فأعداد المشاركين فيها يصل إلى مئات الآلاف من الإسرائيليين الغاضبين على حكومة نتنياهو الدكتاتورية والفاشية، وشملت العديد من الشرائح والنقابات والقطاعات، وعلى الرغم من خلافاتها البينية الحادة، لكنها متحدة في رأيها أن الحكومة خطيرة، ويجب إسقاطها، وصولًا إلى شيوع اعتقاد، بغض النظر عن مدى صحته، مفاده أن الحرب الأهلية بين الإسرائيليين ستندلع قريبًا، حتى أن ضابطًا طيارًا هدّد صراحة بقتل نتنياهو، وتحول هذا الخلاف ببطء إلى برميل من مادة التفجير قد يعرف طريقه بينهم باغتيال سياسي أو انتخابات مبكرة سادسة!
في الوقت ذاته، لا يبدو أن تفاقم التوترات الداخلية لدى الاحتلال من شأنه إضعاف التهديدات الهجومية التي يوجهها للقوى المتربصة به في المنطقة، دولًا ومنظمات، بدليل استمراره في مهاجمة منشآت الأسلحة القتالية في أكثر من عاصمة محيطة به، على الرغم من أنه يعيش في خضم أزمة داخلية مستفحلة، والخلافات فيه تتصاعد، لكن ذلك لا ينتقص من قدرته على العمل لحماية مصالحه الحيوية، سواء بالشراكة مع حلفائه في المنطقة والعالم، أو من تلقاء نفسه.