فلسطين أون لاين

ما بين العقبة والعقوبة وسوء العاقبة

...
محمد عوني أبو عون
محمد عوني أبو عون (باحث في مركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا)

عادت عجلة التطبيع في حلقة جديدة من حلقاتها لتطل علينا باجتماع في العقبة بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وبإشراف أردني مصري أمريكي مشترك، وعلى الرغم محاولات التجميل التي سعى المشاركون في اللقاء إلى إضفائها على شكل اللقاء بأنه ذو بعد سياسي ويعيد عجلة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وأنه يشكل تقدما وتطورا على شكل العلاقة، إلا أن الحقيقة كانت خلاف ذلك تماما.

فنوعية وتركيبة الوفود كذبت نفسها بنفسها، فجميع المشاركون يصطبغون بصبغات أمنية، فما بين مسؤول الشؤون المدنية الفلسطيني إلى نظيره الصهيوني وما بين رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ونظيره رئيس الشاباك رونين بار، إلى بقية المشاركين، الذين لم تخرج مداولاتهم عن كيفية السيطرة على الحالة الثورية المتصاعدة في الضفة الغربية، وما بين مقترحات لتمكين السلطة بالمال والرجال إلى رفع مستوى التنسيق إلى تقديم بعض الوعود الفارغة بتجميد عمليات الاستيطان في الضفة المحتلة إلى إشعار آخر.

اقرأ أيضا: الفصائل تُفنِّد ادعاءات "الشيخ" وتؤكد رفضها المشاركة في "قمة العقبة"

على الجهة الأخرى من الحدود تجلت هناك عقبة من نوع مختلف، وعلى خلاف عقبة الأردن كانت عقبة جبر في مدينة أريحا المحتلة تخط سطورها وتضع بصمتها على مسار العلاقة مع المحتل، وما بين العقبتين تجلت العقوبة عبر عملية نوعية نفذتها المقاومة على مستوطنة "ألموغ" لتؤكد أن طبيعة العلاقة مع الاحتلال هي المواجهة وأن عقبة جبر التي انطلقت منها العملية هي الأكثر التصاقا بالفلسطيني ونظرته للصراع، أكثر من القادة الذين جلسوا مع الاحتلال على طاولات التفريط والتآمر.

هذه العقبة -عقبة جبر- هي امتداد لحالة الثورة في قرية حوارة، وتمثل امتدادا لمخيمات شعفاط والعيساوية والبلدة القديمة في القدس، امتداد للأزقة في جنين ومخيم بلاطة وسلواد، امتدادا لشلال الدماء من الشهداء الذين ارتقى أكثر من 65 منهم منذ مطلع العام، امتدادا للمقاومين الذين كبدوا المحتل 15 قتيلا خلال الفترة نفسها ليسطروا معادلة بأن الكف تواجه المخرز، وأن جذوة المقاومة ستبقى مشتعلة، وأن نبض الشعب الحقيقي هو في قلوب جمهور المقاومة لا في قلوب المطبعين.

وما بين العقبة والعقوبة، عاد المجتمعون بسوء العاقبة ولم يظفروا سوى بخفي حنين مهترئة، فلا السلطة ظفرت بالتمكين واستعادت أموالها المحتجزة، ولا تحققت رغبتها بانتزاع قرار أو تسوية مع الاحتلال تقضي بتوقف البناء ومنح التراخيص للمستوطنات، ولا حقق الاحتلال الأمن لمستوطناته ولا لقطعان مستوطنيه، وعلى شاكلتهم فقد انقلب شهود الزور الدوليون والإقليميون إلى قواعدهم خائبين، وما تحصلوا إلا على صفحات سوداء لن تذكرهم بخير إذا ما ذكرت قضية فلسطين وجهود أبنائها في تحريرها.

لم يكن اجتماع العقبة سوى حلقة أخرى جديدة من حلقات العبث في مسار القضية الفلسطينية، فالمجتمعون كذبوا على أنفسهم مرتين، الأولى حينما بدئوا لقاءاتهم وهم ينظِّرون للحل كأمر لا مفر منه، على الرغم من الإعلان الصريح لزعماء حكومة الاحتلال بأن ما قبل لقاء العقبة سيكون كما بعده، وأن لا تجميد لبناء المستوطنات ولا تمكين لسلطة عباس، والثانية حينما أبدوا الصدمة والمفاجأة من الموقف الإسرائيلي المتطرف.

لقد أثبت الشعب الفلسطيني ومقاومته أن كلمتهم ستبقى هي الأولى والأخيرة، والميزان الأكثر مصداقية لنظرتنا وطبيعة علاقتنا مع الاحتلال الإسرائيلي ما بقي على أرضنا، وأن لكل عقبة عقبة، ولكل عقبة عقوبة، وما بين العقبة والعقوبة سينقلب المتآمرون والمطبعون بالخسران والخذلان وسوء العاقبة.  

المصدر / فلسطين أون لاين