فلسطين أون لاين

تقرير جرائم المستوطنين.. أول مراحل تحويل الصراع إلى حرب دينية

...
غزة-رام الله/ نور الدين صالح:

تؤشر مشاهد الدمار والخراب التي خلّفتها اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين مؤخرًا في الضفة الغربية والقدس المحتلتين على إستراتيجية جديدة ترتكز على تحوّل الصراع في الأراضي المحتلة إلى حرب دينية بحتة.

وأظهرت صور وفيديوهات مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حجم الدمار والخراب الناجمين عن وحشية المستوطنين في بلدة حوارة والأحياء المُحيطة بها جنوبي مدينة نابلس، ما أسفر عن ارتقاء شهيد وإصابة أكثر من 390 مواطنًا، وإحراق أكثر من 100 سيارة، و35 منزلًا بالكامل و40 جزئيًّا إلى جانب تخريب ممتلكات ومنشآت ومرافق عامة.

ودفعت مشاهد إجرام المستوطنين، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وهم داعمون أساسيون لدولة الاحتلال، إلى انتقاد تلك "الأعمال الوحشية".

هذه الحالة لم تقتصر على مدن الضفة الغربية، إذ يُعربد المستوطنون يوميًّا على أهالي مدينة القدس، وهو ما يُفسره مراقبون أنه يندرج ضمن "الحرب الدينية الرامية لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم".

اقرأ أيضًا: مواطنون متضررون في حوارة: من سيُعوّض خسائرنا؟

يقول أيمن صوفان من بلدة "بورين" عن الليلة الدامية التي عاشتها عائلته: إنّ "المستوطنين خاضوا حربًا حقيقية ضد السكان في تلك الليلة، إذ حرقوا الأخضر واليابس كما يصف"، معتبرًا تلك الجرائم "ضمن حرب التهويد والهوية".

وفي حديثه لصحيفة "فلسطين"، يضيف صوفان الذي نجا وأسرته من الموت بأعجوبة: "أكثر من 150 مستوطنًا هاجموا بيتنا وحرقوا سيارتين لنا وحاولوا قتلنا (..) الله ينتقم منهم وحسبنا الله ونعم الوكيل".

ويضم منزل "صوفان" المكون من طابقين 14 فردًا، بين رجال ونساء وأطفال، عاشوا تفاصيل مُرعبة من تلك الليلة الدامية بفعل جرائم المستوطنين وإحراق البيوت والسيارات ومحاولاتهم لقتل الفلسطينيين، كما يروي "صوفان"

مشاهد الاقتحام ربما لم تكن جديدة، لكن المُخيف هذه المرّة هو الأعداد الضخمة للمستوطنين، إذ انقسموا إلى مجموعات، فجزء يسرق ممتلكات المواطنين، وآخر يحرق المنازل ويعتدي عليها، وفق قوله.

ويبعُد منزل صوفان عن مستوطنة "يتسهار" الإسرائيلية حوالي 150 مترًا، الأمر الذي يجعله أكثر عُرضة لانتهاكات المستوطنين بشكل متواصل، إذ يقول إنه يعيش حالة قلق واعتداء مستمرة منذ عام 2000، أدّت إلى وفاة والدته في 2018 من جراء إصابتها من الاعتداءات، ووالده عام 2005 حينما أصابته سكتة قلبية حزنًا على البيت الذي أحرقه المستوطنون آنذاك.

"صوفان" واحد من مئات الأسر الفلسطينية التي تعرّضت لجرائم وحشية من المستوطنين على مدار السنوات الماضية، في مختلف الأراضي الفلسطينية.

اقرأ أيضًا: السلطة غائبة.. "لجان الحراسة الشعبية" ملاذ أهالي حوارة

المواطن رومل السويطي يقطن في بلدة حوّارة جنوبي مدينة نابلس، تعرضت عائلته إلى اعتداء ممنهج من عشرات المستوطنين في تلك الليلة الدامية، إذ أحرقت لشقيقه "مشطب سيارات"، وهو مستودع للسيارات "غير القانونية" وقطع الغيار اللازمة للصيانة.

ويروي السويطي لـ "فلسطين" أنّ عشرات المستوطنين أشعلوا النار في "المشطب" الذي يقع أسفل المنزل الواقع في الحي الشمالي ببلدة حوّارة، ما أدى إلى حرقه بالكامل، والتهمت النيران أيضًا الجزء السفلي من البيت، مشيرًا إلى أنّ هذه "النكبة الثانية" التي حلّت بشقيقه حسين، إذ تعرض "مشطب" سابقًا للحرق أيضًا من المستوطنين.

وقدّر السويطي أعداد المستوطنين الذين اقتحموا البلدة بين 700-1000 مستوطن، "وهذا عدد غير مسبوق" حيث كانوا مُوزّعين على مجموعات، كل واحدة منها ترتكب جريمة مُعينة.

وقال: "الحمد لله الذي سلّمنا من هذه الوحشية غير المسبوقة للمستوطنين"، معتبرًا ما جرى "حدثًا غير عادي".

ومن وجهة نظر السويطي، أراد المستوطنون إيصال رسالة للفلسطينيين مفادها "أيّ عملٍ مقاوم أو تنفيذ عملية فدائية سيُقابلهما ردٌّ عنيفٌ من المستوطنين".

وعدّ جرائم المستوطنين التهويدية في نابلس والمدن الأخرى "ضمن مخطط تهجير السكان الفلسطينيين والحرب الدينية".

وأفاد رئيس بلدية حوارة معين الضميدي، بأنّ خسائر الفلسطينيين في حوّارة من جراء اعتداءات المستوطنين بلغت 18 مليون شيقل.

مرحلة جديدة

إلى ذلك، عدّ منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان برام الله جمال جمعة، أنّ ما حصل في مدن وأحياء نابلس "يؤسس لمرحلة جديدة" ضمن خطة أعدتها حكومة المستوطنين الفاشية لضم الضفة.

وأوضح جمعة لـ "فلسطين"، أنّ المستوطنين بحماية من الاحتلال يسعون من خلال هذه الجرائم إلى ترويع الفلسطينيين، "وهذا إرهاب منظم يقوم به هؤلاء المجرمون بضوء أخضر من حكومتهم"، وِفق رأيه.

وقال: إنّ "رسالة المستوطنين للفلسطينيين أنّ أيّ عملية سيقابلها إحراق قرى فلسطينية"، متوقعًا أن تكون المرحلة القادمة "صعبة" على الشعب الفلسطيني، يكون عنوانها "مأسسة منظومة الفصل العنصري في الضفة".

وبيّن أنّ لغالبية قيادات الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية "أيديولوجية" تؤمن بأنّ الأرض الفلسطينية "توراتية وملك لـ(إسرائيل)"، لافتًا إلى أنّ هذه الجرائم "ستكون وسيلة لسرقة الضفة والسيطرة عليها بالكامل".

وشدد على أنّ "الاحتلال يسعى لتقسيم الضفة إلى قطاعات منفصلة عن بعضها، وجعلها تابعة لسيطرته ضمن خطة تهويدية ممنهجة".

تجدر الإشارة إلى أنّ اعتداءات الاحتلال (الإسرائيلي) وقطعان مستوطنيه تصاعدت بحق المقدسيين والمسجد الأقصى المبارك خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، وفق نشرة (مرصاد) الصادرة عن شبكة معراج المقدسية

ورصدت نشرة (مرصاد) ثمانية مشاريع استيطانية جديدة في مدينة القدس خلال فبراير، لجلب أعداد كبيرة من المستوطنين لإسكانهم فيها.

ونبّهت إلى أنّ (3583) مستوطنًا متطرفًا اقتحموا باحات الأقصى، وأدوا طقوسهم التلمودية فيه.