فلسطين أون لاين

دولة الاحتلال بين "الحكومة الشعبوية" و"الانقلاب الفاشي"

 

مع تفاقم الأزمة الداخلية في دولة الاحتلال، ودخولها شهرها الثالث على التوالي، تتزايد أسباب الاعتقاد بأن النظام السياسي الإسرائيلي في خطر حقيقي من الانهيار، على الأقل وفق تقديراتهم هم، وهذا هو الرأي السائد أيضًا في الجمهور الاسرائيلي، والأسواق المالية، والعديد من عواصم العالم، التي تتخوف من استبدال الآليات الليبرالية القائمة في دولة الاحتلال بأخرى استبدادية، مع العلم أن هذه الآليات تطبق فقط على الإسرائيليين أنفسهم، وليس الفلسطينيين الخاضعين لاحتلال بشع.

التخوف الذي يسود دولة الاحتلال وداعميها في الغرب تحديدا أنهم سيكونون أمام حالة من هدم المؤسسات الحكومية، وإلغاء تدريجي للطبقة الوسطى الليبرالية الواسعة، بما يساعد الساسة الفاسدين، وعلى رأسهم نتنياهو وزمرته، على النجاة من قضاء ما تبقى لهم من أعمار خلف القضبان، وشيئا فشيئا يصبح الإسرائيليون أمام "ديكتاتورية منتخبة"، التي سيزيد تمسكها بمصالحها، وتشبثها بترتيباتها المسماة "انقلابا قضائيا"، وبالتالي سيصعب على المعارضة الإسرائيلية ثنيها، أو هزيمتها.

وفي الوقت الذي شهد التاريخ القديم والحديث في العديد من الدول المحيطة بالاحتلال وقوع العديد من الانقلابات العسكرية الدموية، فإن مضي أكثر من سبعين عاما على نظامها السياسي، بما حمله من استقلال للنظام، وعلام حرّ نسبي للإسرائيليين فقط، وثقافة سياسية ليبرالية، ومجتمع مدني، مجازا، قوي، لم تحمي دولة الاحتلال مما تعيشه اليوم من بوادر انقلاب سياسي وقانوني وقضائي كفيل بتغيير وجهها، مع صعود حكومة شعبوية فوضوية، لا تتردد في الإعلان أنها تنوي إلغاء ذلك الإرث البعيد، وإن لم تقدر، فهي ماضية في إفراغه من محتواه.

ووفق تحصيل الحاصل، فقد أصبح نتنياهو ذاته زعيماً شعبوياً، يحاول أن ينفذ بوعي، وعن سابق إصرار وترصّد، وبمساعدة الفاشيين المحيطين به، سواء من الليكود نفسه، أو الآخرين مثل الصهيونية الدينية والعصبة اليهودية وشاس يهدوت هتوراة، نسخة من التحركات التي شهدتها دول شرق أوروبا في المجر وبولندا، وحاول دونالد ترامب صنعه في الولايات المتحدة، خاصة مع غياب القانون اللامركزي للغاية، وعدم وجود الكثير من الضوابط والتوازنات، وبالتالي لم يجد نتنياهو ورفاقه كثيرا من الصعوبات لتقويض الإرث القائم، وبالتالي فإن هذا "الأسلوب الشعبوي" قد لا يختلف في جوهره عن "الانقلاب الفاشي".

مع العلم أن نتنياهو وحكومته، ومن باب الدقة الموضوعية، لم يتوقعوا مظاهرات على هذا النطاق، تمتد سبعة أسابيع على التوالي، وتتسع رقعتها أفقيًا ورأسيًا، مما جعلها أمام مشكلة خطيرة وهي تواجه مئات آلاف الإسرائيليين من التيار المركزي للمجتمع مع الأعلام واللافتات والخطب والعرائض، وبات من الصعب أن نسميها مظاهرات النخبة من الدولة العميقة الذين يريدون الاستمرار في الحكم، رغم أنهم خسروا الانتخابات، أو اتهامهم بأنهم يساريون فوضويون ضد الدولة.