باتت حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار أن دولة الاحتلال غارقة في نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وصولًا لأن يكون موازيًا لجريمة الإبادة الجماعية، ورغم أن الاعترافات الدولية تزايدت في العقد الأخير بأن الاحتلال يدير بالفعل نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن حتى الآن لم يتم ذكر جريمة الإبادة الجماعية.
مع العلم أن بعض الأعمال المحددة في تعريف الإبادة الجماعية في المعاهدات الدولية نفذها الاحتلال لسنوات عديدة ضد الشعب الفلسطيني، رغم أنه الوحيد في العالم الذي لا يزال يطبق نظام الفصل العنصري بعد القضاء على نظيره جنوب إفريقيا، ويتضح ذلك من خلال جملة من قوانين الكنيست الخاصة بالحصول على الجنسية، والحرمان منها، وقانون أملاك الغائبين، وطرد البدو من قراهم غير المعترف بها في النقب الصحراوي، وهذه جميعا وغيرها جرائم تصل حدّ التطهير العرقي.
تتحدث التقييمات الحقوقية ذات المعايير العالمية عن شواهد كثيرة تثبت أن الاحتلال يرتكب بالفعل جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، رغم أنها قد تكون بمعاييرنا نحن في هذه المنطقة من العالم أضرارا جانبية، ومن ذلك مقدار الأضرار النفسية التي تصيب الأطفال الفلسطينيين الذين يستيقظون في حالة ذعر بمنتصف الليل، وهم يواجهون جنود الاحتلال المسلحين من الرأس إلى أخمص القدمين، وإلحاق الأضرار المادية بالمئات والآلاف بالممتلكات الفلسطينية.
أكثر من ذلك، فإن التقارير الحقوقية تضع يدها على سلوك الاحتلال بخلق ظروف معيشية تجعل من المستحيل على الفلسطينيين البقاء في مناطق سكناهم، عبر فرض مزيد من القيود على استخدام المياه، وإعاقة حرية الحركة، والقدرة على الوصول لمناطق العمل والزراعة، وإحراق وتقطيع المزارع، وسلب الأراضي، ونقل الفلسطينيين من أماكن معيشتهم لمناطق أخرى، حيث تكون فرصهم في الوجود ضئيلة، بجانب الترهيب المستمر للفلسطينيين الذين باتوا يشعرون أنه ليس لديهم مستقبل، بحيث يدبّ اليأس في نفوسهم، ورويدا رويدا يتم تطبيق مخطط التطهير العرقي ضدهم دون أن يطلق الاحتلال رصاصة واحدة!
ليس سرّا أن التطهير العرقي هو هدف المشروع الاستيطاني برمّته، الذي تقوم على تنفيذه حكومة الاحتلال اليمينية من خلال الجيش والمستوطنين، من خلال إزالة جزئية أو كلية للوجود الفلسطيني، وهو ما يتحول مع مرور الوقت إلى إبادة جماعية، غير علنية، مع العلم أنه لم تعد هناك حاجة للبحث في الأرشيفات التاريخية عن جرائم العصابات الصهيونية التي اضطلعت بدور قذر دموي في تنفيذ مذابحها ومجازرها ضد الفلسطينيين لإخلاء أراضيهم بالقوة العسكرية المسلحة، ومع ذلك فإن أفعال الاحتلال اليوم تكشف عن سوء نواياه العدوانية، ولا أوضح سلوكا على ذلك من إبعاد الفلسطينيين من مناطق (ج)، بوصفه تطهيرا عرقيا لا يختلف على توصيفه اثنان.