تخرج هذه السطور إلى حيز النشر، وقد مرّ على إعلان حكومة الاحتلال السابعة والثلاثين شهران بالتمام والكمال، ثمانية أسابيع مضت من عمر الحكومة السادسة لبنيامين نتنياهو، ودولة الاحتلال تعيش في ظلها في حالة غير مسبوقة من الخلافات الداخلية بين الإسرائيليين، والعجز الأمني أمام الفلسطينيين، مما قد يجعل الأوضاع برمتها، والحكومة تدخل شهرها الثالث فقط أمام أحداث تاريخية غير متوقعة، على اعتبار أن الحلبة السياسية الداخلية تتدحرج نحو مزيد من الفوضى، والساحة الخارجية تكشف عن مزيد من الإخفاقات، وسط تساؤل حقيقي يطرحه الإسرائيليون عن هوية صاحب القرار الحقيقي في الدولة.
مع العلم أن الشعور السائد المتعاظم بين الإسرائيليين قبل وبعد تشكيل هذه الحكومة الفاشية، وفي ظل خلافاتهم المتصاعدة في العديد من القضايا، يتمثل بعبارة أن "الدولة في حالة تراجع تسبق الانهيار"، لأن ما تشهده من أحداث متلاحقة وغير مسبوقة منذ قيامها على أرضنا المحتلة قبل أكثر من 75 عامًا، ساعد في إيجاد بيئة احتجاج ضخمة، وتخوفات من مخاطر اقتصادية، وقلق من تصدّع كبير بين أطراف المجتمع الإسرائيلي.
اللافت أنه خلال شهرين فقط، باتت تحدث استطلاعات الرأي عما يشهده حزب الليكود الذي يقود الحكومة من نزيف في صناديق الاقتراع إذا حصلت انتخابات برلمانية اليوم، ما يعد دليلًا جديدًا على أن الانقلاب القضائي الذي تنوي الحكومة تنفيذه يقبله فقط أجزاء من معسكر اليمين، وليس كله، مهما حاول اليمين الفاشي تصوير هذه التغييرات القانونية على أنها تمثل التيار اليميني الإسرائيلي بشقيه: الديني والقومي.
صحيح أن نتنياهو فاز بالعودة للحكم مرة أخرى، لكن الأكثر صحّة أنه وفي وقت أقرب مما كان متوقعًا، تكشف الأحداث المتلاحقة أنه وشركاءه يواجهون صعوبات حقيقية، وشبه انهيارات تدريجية على أرض الواقع، بدليل سقوط أربعة عشر قتيلًا بين جندي ومستوطن في فبراير لوحده، وهذا لوحده ثمن باهظ لكشف حجم الفشل الذريع الذي منيت به هذه الحكومة، وقد يكون تاريخيًا بالنسبة لها، لأن هذه التطورات قد تسفر عن سقوطها، واضطرار رئيسها إلى البحث عن "الخطة ب".
أكثر من ذلك، فإن الصور المروعة القادمة من بلدة حوارة جنوب نابلس عما اقترفه المستوطنون المجرمون، شركاء نتنياهو الحقيقيون في الحكومة، قد تبقى في أذهان الإسرائيليين، بما لا يقل عن الأحداث التاريخية الأخرى، وتخلق معادلة مفادها الفوضى والتفكك الكامل، وتكشف عن حقيقة لا تخطئها العين عنوانها أن الحكومة الحالية تحطم الأرقام القياسية في كل ما هو فاسد وفوضوي، ولعله لم تكن هناك أبدًا حكومة دمّرت المجتمع الإسرائيلي بهذه السرعة و"الكفاءة" مثل الحكومة الحالية.