عشرون عامًا فصلت بين قمتي العقبة الأولى في 2003 في ذروة انتفاضة الأقصى، والثانية في 2023، عشية اندلاع انتفاضة ثالثة، كما يتخوف الاحتلال، وكلاهما جاءتا، لتوقف تمدد المقاومة، ومدّ يد العون للاحتلال لمواجهتها، بتفعيل التنسيق الأمني معه، وإضفاء تدخل إقليمي ودولي لمساعدته، تحت شعارات جوفاء منها تعزيز السلطة الفلسطينية، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
تأتي قمة العقبة بعد أيام قليلة على مجزرة نابلس، وعدّها الاحتلال فرصة عملياتية لا ينبغي تفويتها، وهي ليست المجزرة الأولى في الأشهر السابقة، ولن تكون الأخيرة، لأن الاحتلال يسابق الزمن قبيل حلول شهر رمضان الذي يتوقع فيه انفجارًا يعيد للأذهان أحداث رمضان 2021 حين اندلعت أحداث هبة الكرامة، وما رافقها من عدوان على غزة، وثورة شعبية من فلسطينيي 48، بجانب انخراط الضفة والقدس المحتلتين فيها.
جاءت قمة العقبة بحضور إسرائيلي فلسطيني عربي أمريكي غربي، وعلى مستويات أمنية رفيعة المستوى، فيما يبدو الأصبع الإسرائيلي خفيفًا على الزناد ودون تحفظات، وكأن هناك ضوءًا أخضر لتنفيذ عمليات القتل والاغتيال والتصفية تحت مبرر سياسة "جزّ العشب" في المدن والمخيمات الفلسطينية المزدحمة، المشبعة بالأسلحة، على حد تعبير الاحتلال، ما دفع أجهزته الأمنية للعمل على ملء الفراغ الأمني الذي تسبب به تراجع نظيرتها الفلسطينية.
ليس بالضرورة أن يكون المجتمعون في قمة العقبة بحثوا التفاصيل الأمنية الميدانية الدقيقة التي تشهدها نابلس وجنين والخليل، فضلًا عن القدس وغزة، لكونهما من مهمة أجهزة أمن السلطة ونظيرتها الإسرائيلية حصرًا الساعية لمراقبة ما تصفها بـ"القنابل الموقوتة" المنتشرة بالضفة الغربية، فيما يبقى دور بقية الشركاء على الدعم الفني واللوجستي، وحلّ أي إشكال قد ينشأ بين رام الله و(تل أبيب).
يدرك المبادرون لعقد قمة العقبة عبر ما يصلهم من تقارير سفرائهم وقناصلهم أن أمن السلطة يخشى العمل داخل نابلس وجنين بسبب تصاعد قوة المقاومين، واتساع رقعة الحاضنة الشعبية لديهم، ما قد يدفع الاحتلال للتحرك الميداني العملياتي، ولو في منتصف النهار، وخوض معارك بالأسلحة النارية ضد عشرات المسلحين، ما يعني بالضرورة حتى لو تحققت النتائج المطلوبة من كل عملية، أن زمان ومكان خوض هذه الاشتباكات يعد أمرًا إشكاليًا للغاية.
لعل أحد الدوافع المباشرة لانعقاد قمة العقبة وجود سحابة استخباراتية ثقيلة للغاية وقريبة جدًا، تحمل في طيّاتها اقتراب انفجار وشيك تخشى أطراف القمة من تبعاته، داخل فلسطين وما حولها، وباتت جميعها تنظر لقرب شهر رمضان مع قلق كبير، وفيما عقد مسئولو أمن الاحتلال عدة نقاشات لبحث هذا الأمر، فقد حضر نظراؤهم من عواصم المنطقة لاستدراك ما يمكن استدراكه قُبيل حصول ما لا يحمد عقباه للاحتلال وداعميه.