انقلبت (إسرائيل) على اتفاق أوسلو الذي رعاه العالم أجمع تقريباً، وعلى رأس الرعاة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعبر إجراءاتها على الأرض قضت على ما يسمى "حل الدولتين" الذي استثمر من أجل تحقيقه الغرب مليارات الدولارات، عبر مشاريع استيطانية هائلة أنهت عملياً "حل الدولتين" وأصبح تطبيقه مستحيلاً، ولم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بذلك، بحيث بات يعمل من خلال عدوانه المتواصل في الأراضي الفلسطينية من قتل وتدمير واقتحام وحصار وتهويد وزراعة القهر والألم في قلوب الفلسطينيين، واذلال ممنهج وواضح للمؤسسات والقيادات الفلسطينية، ليؤكد المؤكد بأن مسار التسوية ما هو سوى سراب، والفائدة الوحيدة منه فلسطينياً تتمثل في استثمار جزء من القيادة الفلسطينية بالأموال التي تتدفق من الغرب والاقليم والناتج المحلي لصالحهم الخاص، وهو ما يعرف بجماعات المصالح، بينما المشروع الوطني بمفهومه التحرري يتراجع.
أما (إسرائيل) تستفيد من الواقع الراهن بأنها أصبحت أرخص احتلال عرفه التاريخ، وتستمر في مشروعها متعدد الأوجه، حيث انتقلت في زمن حكومة نتانياهو الفاشية من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة حسم الصراع، ولكن التحدي الذي يربك حساباتها أن الشعب الفلسطيني حي ويسبق قيادته، وبتضحياته يعطل حسم الصراع، بل يؤسس لمرحلة بات الفلسطيني يعمل ويفكر ويجهز مرحلة حاسمة للصراع، وما هي سوى مسألة وقت وعمل.
نعود إلى سؤال المقال: كيف تفكر القيادة الفلسطينية؟
زوايا تفكير القيادة ينحصر في ثلاثة اتجاهات:
1. ممارسة النضال السياسي بأشكاله السلمية والدبلوماسية والقانونية.
2. ممارسة النضال الشامل عبر وقف حقيقي للتنسيق الأمني والاندماج مع الشارع الفلسطيني لممارسة كافة أشكال المقاومة وعلى رأسها المقاومة المسلحة.
3. الحفاظ على المكتسبات الشخصية والحزبية، والعمل على عودة الأوضاع إلى ما قبل موجة التوتر الأخيرة، والتحرك باتجاه وأد حراك الشارع وإعادة الهدوء بكل الوسائل والطرق.
أولًا: ممارسة النضال السياسي بأشكاله السلمية والدبلوماسية والقانونية.
تلك الرؤية تتبناها القيادة الفلسطينية وتعلن تبنيها لها في كافة المحافل الدبلوماسية والاعلامية، وثمة فرق بين التبني من أجل المواجهة أم من أجل التكتيك عبر الضغط والتلويح بتوظيف تلك الأدوات لتحقيق مكاسب آنية، وبكل صراحة حتى اللحظة لم يرصد المراقبين تحركاً جدياً في المحاكم الدولية، وربما ما حصل في مجلس الأمن والاتفاق الذي أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي لقناة الشرق الإماراتية بأنه كان من المقرر توقيعه يوم 26/2/2023م وأن (إسرائيل) بارتكابها لمجزرة نابلس غدرت بالسلطة الفلسطينية يعكس حقيقة الواقع، وللأسف لم يتعلم هؤلاء الدرس من التجارب السابقة مع دولة الاحتلال وهي طويلة وممتدة.
ثانيا: ممارسة النضال الشامل.
أغلب الغيورين على المشروع الوطني من القيادة الفلسطينية ومن خلفهم جموع الشعب الفلسطيني والفصائل والقوى الوطنية وفعاليات المجتمع المدني يؤمنون بأن الخيار الأمثل هو بالنضال الوطني الشامل، والذي بموجبه يسير الفلسطينيون على كافة الجبهات لمواجهة الاحتلال ضمن استراتيجية وطنية متوافق عليها داخلياً وخارجياً، ولكن للأسف هؤلاء أصبح تأثيرهم محدود، ولكن في تقديري أن قادم الأيام سيجعل من هذا السيناريو هو المرجح لاسيما مع زيادة وتيرة الغليان داخل أوساط الشعب الفلسطيني وخاصة جماهير حركة فتح التي لا يمكن أن تقبل للواقع الراهن أن يستمر في ظل جرائم (إسرائيل) المتكررة.
ثالثاً: الحفاظ على المكتسبات الشخصية والحزبية، والعمل على عودة الأوضاع إلى ما قبل موجة التوتر الأخيرة.
جماعة المصالح داخل القيادة الفلسطينية تقتات على هذا الخيار، وتلعب دورًا مؤثرًا في تعزيزه، وتدعمها أطراف داخلية وخارجية وتوجهات صهيونية، وهي من تناور بين توظيف وتعزيز فكرة النضال السلمي في مواجهة أنصار فكرة النضال الشامل.
الخلاصة: مطلوب من القيادة الفلسطينية التي تتبنى فكرة النضال الوطني الشامل أن تعلن نفسها وتتحالف مع قوى الشعب لمواجهة توجهات حكومة نتانياهو الفاشية وجرائمه على الأرض، كون هذا الخيار يفتح كافة الجبهات مع الاحتلال ويضع جميع الأطراف أمام مسئولياتها.