الذي يتابع أحوال الأمة الإسلامية في هذا العصر وما أصابها من ضعف وهوان وتداعي الأُمم عليها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، يوشك أن يُصاب باليأس والإحباط، فيضعف انتماء المسلمين وخاصة الشباب لدينهم وأمتهم ويزداد إعجابهم بحضارة الغرب ويُفتتن بما حقق من تفوق مدني وعسكري ومادي وتكنولوجي، ولكن الكثير لم يقرأ عن حضارة هذه الأمة المُحمدية التي سبقت الأمم في الحضارة والرُقي في شتى المجالات، بل هي خيرُ الأمم وإن أصابها ما أصابها، لقد قال الله (تعالى): {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
البعض سيقول على الفور: "كنتم" فعل ماض وما فائدة كنتم؟! والحقيقة أنَّ "كان" هي أم الأزمنة، لذا نقول: "كان وأخواتها" ومن أخواتها: "أصبح، أضحى، أمسى، ظل، بات، صار، ليس، ما برح، ما انفك، ما زال، ما فتئ، ما دام"، لذا فمعنى الآية: أنكم أصبحتم خير الأمم وستبقون كذلك ما دمتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وأكد ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: "إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
وهذه الأُمة محفوظة من الهلاك والاستئصال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض (الفُرس والروم)، وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامـة (أي قحط) وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضا".
وقد وعد الله (تعالى) هذه الأمة بالنصر والتمكين ولو بعد حين: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... }، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت".