نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا للكاتب المعروف توماس فريدمان يبين فيه موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن من حكومة المتطرفين الإسرائيليين وخاصة بعد خروج تظاهرة ثانية ضد الحكومة شارك فيها أكثر من 50 ألف متظاهر إسرائيلي. ملخص رسالة بايدن حسب فريدمان هو شعور الرئيس الأمريكي بالقلق من التحول الجذري للنظام القضائي في (إسرائيل) الذي يحاول ائتلاف نتنياهو المتطرف والمتدين للغاية فرضه على الكنيست والذي قد يلحق ضررًا جسيمًا بـ"الديمقراطية" الإسرائيلية وبالتالي بعلاقتها الوثيقة مع أمريكا والديمقراطيات في كل مكان، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ترى أن علاقتها بالاحتلال الاسرائيلي قائمة على اشتراك المصالح والقيم وليس المصالح فقط.
الديمقراطية نظريًّا هي إحدى القيم والمبادئ التي يؤمن بها الغرب وتقوم على أسس متعددة أهمها احترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية وعلى الحكم من خلال انتخابات دورية تتم بالاقتراع العام، وعمليًّا ليس هناك دولة ديمقراطية في العالم إذ ليس من بينها من يحترم حقوق الإنسان خارج دولته وخاصة إذا تعلق الأمر بالعالم العربي. ما كتبه توماس فريدمان هو مجرد ترويج لأكاذيب تاريخية، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تتحلى بالحد الأدنى من القيم الإنسانية، والتاريخ حافل بانتهاكاتها وجرائمها ضد الانسانية ويكفي للدلالة على ذلك حربها على العراق ومساندتها لدولة الاحتلال (اسرائيل) في محاولة سحق الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة.
(إٍسرائيل) دولة احتلال ابتداء ولذلك لا يمكن اعتبارها دولة ديمقراطية تحت أي ظرف، استغرب من معارضة أطراف فلسطينية عندما قررت (اسرائيل) وصفها نفسها بأنها “دولة يهودية”، أو عندما قررت سحب “الجنسية الاسرائيلية” من محررين من أصل فلسطيني ويحملون جنسيتها، كل هذه الممارسات غير مستبعدة عن كيان احتلالي طارئ لا صلة له بالأرض التي يحتلها عبر التاريخ، كيان يحاصر أكثر من 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، وينكل بسكان الضفة الغربية، ويهدد الأرض والمقدسات وكل شيء، فالاحتلال هو أصل البلاء وما عدا ذلك مجرد تفاصيل لا أكثر.
بالعودة إلى أصل الموضوع وهو رسالة بايدن الى (إسرائيل) نرى أن دافع بايدن هو محاولة تأديب من يحاولون خرق سفينة الاحتلال وإغراق الكيان الاسرائيلي، حيث ان الاحتلال طالما تشدق بأنه واحة “الديمقراطية” الوحيدة في الشرق الاوسط وان “جيشه لا يقهر”، وقد رأينا أن جيشه قهرته المقاومة في قطاع غزة مرة تلو الاخرى ولم تعد له سيطرة على غزة والضفة الغربية، وهذا يعني أن (إسرائيل) لم تعد مؤهلة لحماية مصالح أمريكا او الغرب عموما في المنطقة، بل اصبحت عبئًا على المجتمع الدولي دون نفع، أما فيما يتعلق بحكومة المتطرفين الاسرائيلية ومحاولتها للسيطرة على السلطة القضائية والتحول تدريجيًّا الى دكتاتورية جديدة في صحراء الدكتاتوريات العربية فإن القلق الأمريكي نابع من الخشية من تفكك الكيان الاسرائيلي وزواله وليس من الخشية من موقف بقية الديمقراطيات الزائفة في العالم مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم تجاه دولة الاحتلال، وأنا أؤكد أن دولة الاحتلال إلى زوال ولن يستطيع بايدن ولا حكماء المجتمع الدولي ولا حتى حكماء بني صهيون من منعه.