مرحلة جديدة يدخلها الاستقطاب الإسرائيلي الداخلي مع انضمام المزيد من "النخب" السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية والقضائية المحتجّة على حكومة الاحتلال الفاشية، وما تنفذه من "انقلاب" قضائي، كفيل بتغيير وجه (الدولة) نحو مزيد من التطرف والتديّن، كما يتهمها معارضوها، وسيؤدي في النهاية إلى حالة من الشقاق العميق في الرأي العام الإسرائيلي، في ضوء فشل محاولات التوصل لاتفاقات تسوية بين المختلفين، على الأقل حتى الآن.
ينطلق المنضمّون الجدد لقائمة معارضي الحكومة من تخوفهم من تبعات الانقسام على ما يعدونها "الحصانة" القومية للدولة، والمخاطر المحيطة بها، صحيح أنه طوال سنوات وجودها، رافقتها تحديات أمنية في الداخل والخارج، لكن الإسرائيليين في عمومهم واجهوها بشعور سائد من الاعتراف بأن الشراكة والمسؤولية عامل أساسي، الأمر الذي بات مفقودًا اليوم.
قد يبدو من التعسّف الحديث أن الأزمة الإسرائيلية الحالية هي وليدة اللحظة، وأنها بدأت فور بدء حكومة نتنياهو في ممارسة مهامها، على الرغم من أن ذلك يعتبر قمة جبل الجليد، لكن الأزمة في حقيقتها تعود إلى ما يزيد عن ثلاث سنوات ماضية، حين اندلعت أزمة سياسية غير مسبوقة، لكنها في الأسابيع الأخيرة، أخذت أشكالًا سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية حادة، كل ذلك في الوقت نفسه.
لعل إلقاء نظرة فاحصة على عدد من العرائض الإسرائيلية التي وقعت في الأيام الأخيرة احتجاجًا على التغييرات القانونية المزمع تنفيذها، تكشف عن قائمة طويلة من الأسماء البارزة في مختلف المجالات: فالحديث يدور عن قضاة سابقين في المحكمة العليا، ورؤساء أجهزة أمنية من الموساد والشاباك وأمان، وقادة احتياط في الجيش، بمن فيهم رؤساء أركان وقادة غرف عمليات وألوية كبار، فضلًا عن اقتصاديين لامعين من محافظي بنك (إسرائيل) وحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد.
كل هؤلاء، وسواهم، عبروا عن معارضتهم لخطة الحكومة الخاصة بالمنظومة القضائية، وأعربوا عن قلقهم بشأنها، واقترحوا تشكيل لجان خاصة لمناقشتها، ودعوا إلى السماح للجمهور بالتعبير عن الرأي، وتقديم الاقتراحات، والنظر في النتائج المتوقعة لكل اقتراح، على أن يكون كل ذلك مقدمة لصياغة استنتاجات، وتقديم توصيات للجمهور والحكومة والكنيست، وإجراء التصحيحات اللازمة في الخطة الحكومية، ولا سيما أن أحد المآخذ الإسرائيلية على الحكومة أنها تسعى إلى تنفيذ خطتها دون الاستناد على إجماع واسع في المجتمع الإسرائيلي، مكتفية بفوزها في الانتخابات الأخيرة.
إن اتساع رقعة المعارضين لحكومة اليمين الفاشية في دولة الاحتلال تعني منح مخاوفهم مزيدًا من المصداقية والوجاهة، ولا سيما حين يحذرون من تقويض الازدهار الاقتصادي والعسكري والتفوق العلمي، وحصول عواقب سلبية واضحة على أنظمة البحث، ومؤسسات التعليم العالي في (الدولة)، وجميعها خسائر ستضرّ بشكل خطير باقتصادها وأمنها، ومكانتها الدولية، وهو المطلوب!