في خطبة صلاة الجمعة في أحد مساجد الضفة الغربية، ناشد الخطيب المصلين بتقديم الدعم المالي العاجل للشعب السوري الشقيق بعد الكارثة التي حلت به من جراء الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، ولكن الغريب في الأمر هو اعترافه الصريح بانعدام ثقة الناس بالجهات التي تجمع التبرعات بقوله: "أعلم أن غالبية الناس يظنون أن التبرعات لا تصل إلى أصحابها، ويتم التصرف بها لغير ما جمعت له أو أنها قد تسرق، ولكن إن افترضنا أن ذلك يحدث، فإن أجركم عند الله لن يضيع..." .
إن قضية الثقة بين المواطن والمسؤول شرط أساسي للنجاح والتقدم، وهي لا تُمنح مجانًا أو اعتباطًا، وإنما هناك مسلكيات وضوابط ومعايير تضمن وجود الثقة من عدمه، فالحكومة على سبيل المثال لا يمكن أن تحظى بثقة الشارع ما لم تحظَ بثقة مجلس تشريعي يمثل الشارع تمثيلًا حقيقيًا، فالانتخاب أول درجات سلم الثقة، ثم تأتي بعد ذلك المعايير الأخرى من تقييم للأداء عبر جرد حصيلة الإنجازات، والرقابة الإدارية والمالية وغيرها من أدوات، ما يؤدي مع مرور الوقت إلى تعزيز الثقة أو انهيارها.
إن تجاربنا مع عملية جمع التبرعات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية أو الوزارات المختلفة في حكومة محمد اشتيه ليست جيده، حملات التبرعات مثل " وقفة عز" و " مستشفى السرطان " أصابت الشارع الفلسطيني بالصدمة، وليس هناك تبريرات رسمية تخفف صدمته، حملة " شيكل من أجل القدس" لاقت معارضة شديدة من الشارع الفلسطيني لأنها جاءت بعد تجربتين فاشلتين، ولأن الشارع يرى أن شركة الاتصالات أقدر من الشارع على دفع تلك الأموال، والبعض يرى أنها لم تستند إلى قانون، وخاصة أن " التبرع" ليس إجباريًا في كل الشرائع ولغات العالم، وهناك من يعتقد أن تلك الأموال سوف تستخدم لتسديد ما تدفعه السلطة لمحافظة القدس من التزامات سابقة أو لاحقة، وهذه ليست مساعدات للقدس وأهلها، وإنما غالبيتها لدفع رواتب موظفي السلطة وغير ذلك من مصاريف لا علاقة لها بالمشكلات الحقيقية للقدس وسكانها الصامدين.
ثم هناك قضية هامة وهو لماذا لم تنظم حملات تبرعات شعبية برعاية منظمة التحرير لدعم قطاع غزة، على الرغم من الدمار الذي حل بالمساكن والمصانع والبنية التحتية فيه، فضلًا عن آلاف الشهداء والجرحى والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة ؟ أعتقد أن نجاح أي حملة للتبرعات لا بد أن تشرف عليها وتديرها من الألف إلى الياء لجنة فصائلية متوافق عليها، وتحظى بثقة الجمهور الفلسطيني، أو أن تكون هناك حكومة فلسطينية متوافق عليها، أو تحظى بثقة المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب.