هو الشعور بالفشل والإخفاق الذي يدفع كبار مسؤولي الاحتلال لإصدار التهديد والوعيد ضد الفلسطينيين، آخره المطالبة بالاستعداد لتنفيذ نسخة جديدة من عملية "السور الواقي"، التي نفذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية في ذروة انتفاضة الأقصى، على الرغم من أن هناك قناعات إسرائيلية متوفرة تفيد بأن مثل هذه العملية لن توقف المقاومة، بل إنها ستضر أكثر مما تنفع.
في الوقت ذاته، فإن أصحاب الدعوات الشعبوية الدموية من وزراء الاحتلال يدركون في أعماقهم، وإن لم يصرّحوا بها، أن تهديداتهم هذه لن تؤدي إلا لتأجيج الأجواء وتوتير الأوضاع، بل إنها ستزيد من فرص حدوث المزيد من الهجمات المقلّدة، خاصة في ضوء عدم قدرة أجهزة أمن الاحتلال على وضع يدها على نوايا المهاجمين الفلسطينيين بتنفيذ المزيد من العمليات الفدائية.
تأتي الدعوات الإسرائيلية لتنفيذ نسخة جديدة من عملية السور الواقي مع مرور الذكرى الحادية والعشرين لتنفيذ نسختها الأولى، وعُدت نقطة تحول تاريخية في المواجهة الفلسطينية مع الاحتلال، الذي عاش حالة من تقويض الشعور بالأمن لديه إلى حد كبير، ما دفع قائد جيشه السابق شاؤول موفاز للتصريح في مناقشات وتقييمات الوضع بأن "هذه حرب في الداخل"، عقب تصاعد العمليات الاستشهادية، وجاءت تتويجًا لموجة دامية من الهجمات، استمرت عامًا ونصف العام منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، قتل فيها أكثر من ألف إسرائيلي وجرح آلاف آخرون.
مع العلم أن عملية السور الواقي، وما أعقبها من نتائج عسكرية وسياسية، ارتبطت في الذاكرة الجماعية للاحتلال، لكونها شهدت إعادة احتلال كل مدن الضفة الغربية، وأهمها: جنين ونابلس وبيت لحم وطولكرم وقلقيلية ورام الله، وفي كل واحدة منها وقعت معارك ضارية رآها الإسرائيليون بأم العين، وفقا لشهادات العشرات من الجنرالات والضباط الذين خططوا لها، وشاركوا بتنفيذها.
صنّفت العملية بأنها الهجوم الأكثر قوة في دولة الاحتلال، شملت إعادة احتلال المدن الفلسطينية، وتضمنت دخول مناطق مكتظة بالفلسطينيين، بما في ذلك مخيمات اللاجئين، التي شكلت معاقل البنى التحتية للمقاومة، وخرج منها معظم منفذي الهجمات، في تعبير هو الأكثر وضوحًا على أن جيش الاحتلال لم يعد بوسعه التعامل مع العمليات الفلسطينية بمنطق الاحتواء، وبالتالي وجد نفسه مندفعًا باتجاه عملية طويلة الأمد، استعدّ لها، وخصص موارد كبيرة للتدرب عليها، من خلال توفير كمّ كبير من المعلومات الاستخباراتية.
استغرق تنفيذ عملية السور الواقي قرابة ثلاثة أسابيع، وتضمنت مجموعة كبيرة جدًا من القوات العسكرية المشاركة، النظامية والاحتياط، على الرغم من أنها من الناحية العسكرية لم تقضِ كلياً على المقاومة، بدليل أن هجماتها تواصلت حتى بعد هذه العملية الدامية، حتى كتابة هذه السطور، بدليل صدور دعوات جديدة مشابهة لما صدر عشية تنفيذ العملية الأولى.