في محاولة للتخلص من النفايات الصلبة المنتشرة داخل الأحياء السكنية والطرقات الداخلية في قطاع غزة، يلجأ البعض إلى حرقها، فتولِّد غازات وأدخنة تؤثر في الجهاز التنفسي للكائنات الحية المحيطة والغلاف الجوي والوسط البيئي.
عملية الاحتراق تشتد خطورتها إذا ما احتوت النفايات على مخلفات ورش ومصانع كيميائية، ومخلفات عيادات ومراكز طبية، والأخطر إن احتوت على مواد قابلة للاشتعال السريع أو الانفجار.
ومع امتعاض أهالي من حرق النفايات في مناطق سكناهم، فإنهم يتطلعون إلى جهد أكبر من البلديات للحد من ذلك، ولا سيَّما في المناطق التي تقع بين نفوذ بلدتين أو نفوذ بلدية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".
سلوكيات خاطئة
ويقول المواطن حسان غانم: "ندرك أن حرق النفايات مضر بالصحة ومؤثر في البيئة، لكن البعض يلجأ إليها للتخلص من نفايات متراكمة تتجاهلها بلديات لقلة عدد عمال النظافة المفرزين، أو لأن المنطقة المستهدفة لا تقع ضمن إطار عملها، كأن تكون في نفوذ بلدية أخرى أو نفوذ وكالة الغوث".
ولم يغفل غانم في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، تقصير أهالي الأحياء قلة اهتمامهم بنظافة الشوارع والطرق المحيطة بهم وترك الأمر على البلديات، ويرى أن إرسال الأطفال لإلقاء القمامة خطأ كبير، لأن الطفل يختصر المسافة ويلقي بكيس القمامة على ناصية الطريق أو بالقرب من الحاويات لعدم قدرته على رفعها إلى داخلها.
ويشير إلى أن الحيوانات الأليفة في المنطقة تبعثر النفايات، والرياح تنقلها إلى أكثر من اتجاه، ما ينجم عنها شكل غير حضاري مؤذٍ للصحة ومشوه لمنظر البيئة.
لذلك يدعو غانم البلديات إلى أن تزيد من نشاط دوريات أقسام النظافة، خاصة في أوقات الذروة، ورفد الأحياء السكنية بصناديق بلاستيكية لوضع النفايات بها.
ويصف المواطن باسل عابد حرق النفايات بأنه سلوك غير حضاري ومؤذٍ للصحة العامة، مؤكدًا أهمية زيادة وعي المواطنين حول ذلك.
ويحث عابد في حديثه مع صحيفة "فلسطين" البلديات على أن تقطع الطريق على المواطنين بإسراعها في ترحيل النفايات أولاً بأول.
واقترح عابد، فرض غرامات مالية على مكرري تلك الأفعال، ليكونوا عبرة لغيرهم، لافتًا النظر إلى خطورة حرق النفايات إن كانت الحاويات بجوار رياض أطفال أو مدارس ابتدائية وعيادات طبية.
أمراض خطيرة
وقد وثقت دراسات علمية مخاطر الانبعاثات من المحارق في الهواء الطلق على صحة الإنسان، منها: التعرُّض لجزيئات دقيقة، مثل الديوكسين، والمركّبات العضوية المتطايرة، ومركبات كل من الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات وثنائي الفينيل متعدد الكلور، التي ترتبط بأمراض القلب والسرطان وأمراض الجلد والربو وأمراض تنفسية.
كما أن الذين يسكنون بالقرب من أماكن الحرق المكشوفة يعانون مشكلات صحية تتوافق مع الاستنشاق المطوّل والمتكرر لدخان محارق النفايات، ومنها: مرض الانسداد الرئوي المزمن، والسعال، والتهابات الحلق، وأمراض جلدية، والربو.
مسؤولية مشتركة
ويقول مساعد المدير العام للمياه والبيئة في بلدية غزة، أنور الجندي: إن التعامل مع النفايات يقع على عاتق البلدية والمواطن على حد سواء، فالبلدية عليها بذل جهدها لإزالة النفايات أولاً بأول من المناطق والأحياء، وأن تستخدم أدواتها لتمشيط الشوارع من مخلفات الكرتون والنايلون التي تتطاير بالهواء من منطقة إلى أخرى.
ويضيف الجندي لصحيفة "فلسطين"، أن البلدية يقع على عاتقها تنفيذ أنشطة تثقيفية وتوعوية للمواطنين تجاه المخاطر الصحية والبيئية الناتجة عن حرق النفايات والاستماع إلى شكواهم في هذا الصدد، والعمل على حل مشكلاتهم.
ويشير إلى أن المناطق التي تقع بين نفوذ بلديتين ينبغي الاتفاق حولها، على أن تقوم البلدية الأقوى ماديًّا ولوجستيًّا بتنفيذ عملية التنظيف، لأن المصلحة عامة.
ويهيب بالمواطنين إلى التزام مواعيد إخراج النفايات التي تحددها البلديات، وأن توضع في أكياس محكمة الإغلاق، ويُحبذ وضعها في صناديق تُنشأ للغرض بجوار المنازل، داعيًا في الوقت نفسه إلى التشدد مع المخالفين والمتعمدين حرق النفايات بتقديم إخطارات لهم لانتهاكهم قوانين الصحة والبيئة.
خسائر مالية
ويشدد المدير العام لحماية البيئة في سلطة جودة البيئة، بهاء الأغا، على أن وقف حرق النفايات مسؤولية الجميع، وأن المجتمع المدني عليه ألا يقف مكتوف الأيدي، لأنه الأكثر تضررًا.
ويضيف الأغا لصحيفة "فلسطين": "إن الحرق قد يقوم به طفل صغير بوضعه عود ثقاب في الحاويات المحتوية على نفايات سريعة الاشتعال، فتتوسع النيران، وتتطاير الأدخنة السامة تجاه المنازل القريبة والبساتين، وحظائر الحيوانات القريبة، وتشتد خطورة ذلك في أوقات الصيف أو مع وجود رياح شديدة تنقل السموم المتطايرة إلى أكثر من جهة".
ويبين الأغا أن الحرق داخل النفايات تنجم عنه خسائر مالية، فأسعار الحاويات الحديدية تمتد من ألف إلى 3 آلاف شيكل، وتكرار حرقها يخرجها عن دائرة الخدمة، محذرًا كذلك من حرق إطارات المركبات الأكثر سمية، وتشويهها المنظر الجمالي للطرقات.