بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، كانت ثلة من الأطفال النازحين يعبثون بالمخلفات الطبية التي ألقيت داخل حاويات قريبة من المكان.
لم يدرك الأطفال أن عبثهم غير المسؤول يعرض حياتهم لخطر حقيقي، إذ كانوا يتنازعون بينهم على اقتسام ما يمكن أن تلتقطه أصابعهم الصغيرة من حقن ومحاليل وعبوات أدوية مختلفة في المقاسات والألوان.
وبعد أن شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها في السابع من أكتوبر 2023، اضطر النازحون من الموت إلى نصب خيام لهم داخل ساحات مستشفى شهداء الأقصى وفي محيطها الخارجي.
يعيش هؤلاء النازحون أوضاعًا مأساوية في ظل نقص الغذاء والعلاج، إذ يعانون من نقص في شبكات تصريف المياه العادمة.
يبرر أحد الأطفال، يدعى عماد، أنه كان يبحث داخل الحاويات وحولها عن علب بلاستيكية وصناديق كرتونية لتستخدمها والدته في إشعال النيران لأغراض الطهي والخبز.
فيما يبرر طفل آخر، أكبر سناً، أنهم يجدون المتعة في جمع تلك المخلفات حيث يستخدمونها في لعبهم اليومي، مقلدين الأنشطة التي يقوم بها الطواقم الطبية داخل المستشفيات.
إن مبررات الأطفال لن تحميهم من الأمراض التي تغزو أجسادهم ذات المناعة الضعيفة، خاصة في هذا الوقت العصيب من الحرب.
والخطورة في حرق النفايات عمومًا والطبية خصوصًا أنها تنتج غازات سامة تلوث الهواء والماء.
وتمنع سلطات الاحتلال البلديات من نقل النفايات إلى مكباتها الرئيسية بالقرب من المناطق الحدودية منذ بدء الحرب، مما دفع البلديات إلى إبقاء النفايات بالقرب من المشارف الحضرية والمخيمات.
تحتوي المخلفات الطبية على ملوثات كيميائية وميكروبيولوجية ومواد مشعة ونفايات صيدلانية، وبالتالي فإن قربها من تجمعات النازحين يشكل خطرً.
تأكد منظمة الصحة العالمية أن المخلفات الطبية ملوثة بفعل مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو طاقة أو كائنات دقيقة ناتجة عن جميع الأنشطة داخل المستشفيات أو المراكز الصحية، وأنه يجب فرزها وعدم تجميعها مع مخلفات المنازل.
المختص الميكروبيولوجي الدكتور عبد الرؤوف المناعمة شدد على خطورة المخلفات الطبية وأشار إلى أنها تحتوي على ميكروبات مقاومة للمضادات الحيوية، وأن الإصابة بها يمكن أن تؤدي إلى وفاة المريض أو إصابته بإعاقة جسدية.
وأشار مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينية بغزة، رياض جنينة، إلى أن الخطورة تكمن في وصول المياه الملوثة بالمخلفات الطبية إلى الخزان الجوفي والتربة الزراعية والكائنات البحرية.
وأوضح أن الخطورة تزداد في أوقات الشتاء حيث تكون كميات المياه أكبر من استيعابها في شبكات التصريف، مما يؤدي إلى تدفق المياه العادمة الطبية إلى السطح وتأثيرها على التربة الزراعية.
وفي هذا السياق، نبَّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن مسألة إدارة النفايات الصلبة في غزة أصبحت حاجة ملحة وتتطلب دعمًا وحلولًا فورية.
قبل الحرب، كانت غزة تعاني من مشكلة إدارة النفايات، حيث كان يتم إنتاج 1,700 طن من النفايات يوميًا، ولم تكن هناك سوى مكبين رئيسيين لاستيعاب هذه الكمية.
لكن الحرب احدثت المزيد من الدمار وأعاقت البنية التحتية الحيوية لجمع النفايات، مما أدى إلى تفاقم الوضع المتردي بالفعل.
سبب تدمير مركبات جمع النفايات والمرافق ومراكز معالجة النفايات الطبية ضغطًا كبيرًا على البلديات التي تسعى جاهدة للتعامل مع الأزمة المتصاعدة.