تزامن لافت يربط بين ما واجهه الاحتلال في الأيام الأخيرة من تنفيذ مجزرة جنين شمال الضفة الغربية، ووقوع عملية القدس الفدائية، وصولًا إلى إطلاق قذائف من قطاع غزة، ومع هذا كله استهداف ما زعم الاحتلال أنها قافلة أسلحة على الحدود السورية العراقية، وقبلها مهاجمة منشأة عسكرية إيرانية لإنتاج صواريخ أسرع من الصوت.
صحيح أن هذه الأحداث الميدانية المتلاحقة تظهر في جانب منها أن أذرع الاحتلال ممتدة داخل فلسطين المحتلة وخارجها، وأنه يحوز على قدرات أمنية واستخبارية وعسكرية تجعل عيونه مفتوحة على مدار الساعة، للتصدي للتهديدات المحيطة به، لكنها من جانب آخر تكشف عن حجم الضغط الأمني الذي يواجهه هذا الاحتلال على أكثر من جبهة، وفي الآن نفسه!
بدأت الأحداث شمالًا بمجزرة مخيم جنين التي ارتكبها الاحتلال بدم بارد بزعم إحباط قنبلة موقوتة، بعد معلومات استخبارية عن التخطيط لهجوم كان سينفجر في إحدى مدن الداخل الفلسطيني المحتل، وفي ذات الليلة انتقل العدوان جنوبًا إلى غزة بزعم الرد على قذائف صاروخية انطلقت باتجاه مستوطنات غلاف غزة، وبالاتجاه شرقًا استهدفت مسيّرات إسرائيلية مصنعًا لإنتاج طائرات بدون طيار انتحارية في قلب إيران، خاصة بها وبحلفائها في المنطقة، وحديثًا وردت إلى روسيا لاستخدامها في حرب أوكرانيا، وهناك من قال إن الهجوم استهدف منشأة لإنتاج الصواريخ المتطورة.
كشفت الآونة الأخيرة عن جهود إسرائيلية حثيثة للعمل في كل الجبهات في ذات الوقت، ولا سيما مواجهة عمليات نقل الأسلحة واستهداف مراكز إنتاج الذخائر في المنطقة بأسرها، من غزة إلى إيران عبر العراق بزعم منع ترسيخ الوجود الإيراني، والحيلولة دون تسليح المنظمات المسلحة المعادية للاحتلال في جميع أنحاء المنطقة، ما يتطلب موارد هائلة من جيشه، واهتمامًا استخباراتيًا غير عادي من أجهزته الأمنية، كون الاحتلال يواجه تحديات لمواجهة ساحات قريبة وبعيدة معاً، وتستدعي تقديم معلومات استخباراتية في الوقت الفعلي، بجانب القدرة العملياتية على العمل العسكري العدواني.
في الوقت ذاته، لا يخفي الاحتلال أن عددًا من عملياته العدوانية هذه في مختلف أرجاء المنطقة العربية تتم بالتعاون والتنسيق مع الأمريكان، الذين ينسقون جهودهم مع الاحتلال في استهداف ما يزعمون أنهم أعداء مشتركون، ويشمل ذلك فضلًا عن التنفيذ العملياتي على الأرض، تقاسم المعلومات الاستخبارية السرية، وصولًا إلى التعاون في عمليات "واسعة النطاق"، ولعل ذلك زاد بعد الغضب الأمريكي من خطوة إيران ببيع مسيّراتها للروس الذين يستخدمونها في حرب أوكرانيا..
على الرغم مما تمثله هذه العمليات العدوانية للاحتلال في كل الجبهات من استهداف لأعدائها المحيطين بها، لكنها في نفس الوقت تعد له استنزافًا عسكريًا وأمنيًا مكلفًا، وتجعله في حالة من الفعل وردّ الفعل، دون توقف!