ما يمثله الشباب الثائر في جنين من نموذج فدائي مكثّف صنع شوكة كبيرة في حلق الاحتلال، حالة ثورية تتخذ من أسلوب حرب العصابات نموذجًا لها، وتقارع المحتلّ بطريقة تقضّ مضجعه وتجعل من كلفة الاحتلال عالية، صحيح أنه متفوّق في كل شيء، وأنه يملك من الإمكانيات والقدرات ما لا يقارن أبدًا مع إمكانيات وقدرات المقاومة هناك، ولكنّ الأمر قد صار منغصًا للاحتلال وصار علامة بارزة على قدرة المقاومة أن تكون ندّا وخصمًا ليس من السّهل كسره أو استئصاله من جذوره، لقد أصبح كزرع أخرج شطأه فاستغلظ فاستوى على سوقه أعجب الزراع وأغاظ بني صهيون إغاظة لا حدود لها ولا انقطاع ، في عام 2000 عندما فتحوا الحرب على مخيم جنين وأتت دولة الاحتلال بكلّ قضها وقضيضها ورمت بكلّ أوزارها على كيلو متر مربع، ظنّوا في حينها أنها ستكون القاضية، ولكن المقاومة استمرّت إلى هذا اليوم وها هي قد ظهرت بأفضل تجلياتها، إنها أضحت تمثّل شوكة قوية وعميقة وذات وخز مريع في جسد هذا السرطان الذي يدعى (إسرائيل).
وإذا أضفنا الشوكة الكبيرة في الخاصرة الجنوبية التي تسمّى غزة، تقف دولة الاحتلال حائرة في أمرها وتقف كلّ سيناريوهاتها معها بالغة القسوة والمرارة، باتت حساباتها في غزة صعبة وأصبح توازن الردع قائمًا، تحسب كلّ حساباتها قبل أيّ عدوان تقوم به، لم تعد غزّة سهلة المنال ولم تعد قوات الغزو الغاشمة تجرؤ الدخول إلى غزة، غزة بمساحتها الضيّقة و إمكانياتها المتواضعة مقارنة مع إمكانياتهم الهائلة أصبحت خصمًا شديد البأس ويحسب له ألف حساب، إنها الإرادة وعدالة القضية وإيمان راسخ كالجبال وعزيمة الأحرار والخبرات التراكمية في ساحات القتال، وذكاء إدارة المعركة، ومعرفة العدوّ خير معرفة، كلّ ذلك جعل منها الشوكة المؤلمة على الدوام.
وإذا نظرنا أيضًا شمالًا وجدنا شوكة حزب الله التي حولت لهم لبنان من متنزه صيفي على حد قول زعيمهم (الصهاينة) المجرم شارون إلى جحيم، أوصلتهم المقاومة هناك إلى خيارين أحلاهما مرّ، الاستمرار في الاحتلال مع الخسارة الكبيرة بشريًا وماديًّا والاستنزاف المستمرّ أو الانسحاب، ولم يكن في النهاية انسحابًا، وإنما كانت هزيمة في غسق الليل، تركوا خلفهم عملاءهم "جيش لحد" بلا ظهر يحميهم بل وتركوا سجونهم دون حراسة، وتركوا عتادهم ودباباتهم وهربوا في جنح الظلام، كان ذلك في عملية سمّوها في حينها " الغسق" في أيار عام 2000.
وهناك شوكة نابلس وعرين الأسود وشوكة في القدس..... إلخ وأصبحت الآن وبعد هذه المجزرة في جنين عرضة ليخرج لهم الشوك في كلّ مكان، وسيأتي عاجلًا أم آجلا كي لا يتّسع حلقهم لأشواكنا ، وقد يكون ذلك قريبًا مع هذا التطرف العنصري المتوحّش المجنون، ومع تنامي حالتي الغضب والاحتقان الذي تصنعه هذه المجازر في صدور أحرار الشعب الفلسطيني العظيم.