المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين وأسفرت عن ارتقاء تسعة شهداء وإصابة العشرات، هي تتويج لسياسة البطش والقتل والإعدامات الميدانية المتواصلة التي يمارسها جنود الاحتلال في مختلف بقاع الأرض الفلسطينية، والهادفة إلى قمع مقاومة شعبنا والقضاء على ما يسميه "بؤر" هذه المقاومة في جنين ونابلس والقدس وغيرها من المدن الفلسطينية، والتي ستشعل عاجلا أم آجلا كل الأرض الفلسطينية.
ويكذب الناطق العسكري الإسرائيلي عندما يدعي أن عدد القتلى والجرحى برصاص الجيش الإسرائيلي، يرتبط بـ"مستوى التهديد الذي تعرضت له القوات، وليس نتيجة تغيير في سياسة استعمال القوة"، فصحيح أن سياسة القتل هي ثابت من ثوابت السياسة الإسرائيلية، إلا أن وتيرة القتل هي موضوع تحدده نوعية القيادة السياسية، ولا شك أن أطراف الحكومة الجديدة تسعى لأن يشعر الفلسطينيين بوقع أقدامها بين شوارع وأزقة بيوتهم.
مجزرة جنين تنفذ بأيدي حكومة بن غفير- سموتريتش التي يقودها نتنياهو، ولكنها تتبع ماركة إسرائيلية مسجلة مارستها العصابات الصهيونية منذ نكبة 1948، وأورثتها لجيش الدولة النظامي الذي تألف منها، وهي ماركة سياسة القتل والترهيب وارتكاب المجازر، كوسيلة للسيطرة على الأرض وإفراغها من أهلها والسيطرة على المتبقي من أهلها.
هي آلة عسكرية مجهزة ومدربة تهوى وتحترف قتل الفلسطيني بصفتها طريقة موروثة تتعاقب عليها الأجيال والحكومات الصهيونية، التي تتفاوت سياساتها فقط بمدى ضم أو إطلاق يد القتل، كما هو حال حكومة سموتريتش - بن غفير التي يرأسها نتنياهو، حيث يرى الثنائي المنتميان للصهيونية الدينية التي فوتت، تاريخيا، نكبة 48 وما تخللها من مجازر جماعية وتهجير وتطهير عرقي شامل قادته الصهيونية العلمانية، تمهيدا لإقامة دولة إسرائيل على أنقاض شعبنا الفلسطيني، ترى أنها تستطيع استكمال المهمة بشكل أفضل وبإراقة المزيد من الدماء الفلسطينية.
المحلل العسكري الإسرائيلي أمير أورن، كتب في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أن سموتريتش يخطط لنكبة ثانية، فهو يعتقد أن التاريخ يعود معه وبفضله ويجب ومن الممكن العودة إلى الأيام التي أعقبت عام 1948، في التعامل مع فلسطينيي الداخل ومع فلسطينيي الضفة وغزة والقدس، وهو يعتقد أن الأمر كان ناجعا جدا مع العرب مع إقامة دولة إسرائيل، ومن الممكن أن يؤدي نفس الغرض في الضفة الغربية، وبهذا المعنى فإنه يهدي دولة إسرائيل في ذكرى تأسيسها الـ75 نكبة ثانية.
وكما هو معروف، فإن العديد من المسؤولين الإسرائيليين هددوا الفلسطينيين في السابق وفي الحاضر بنكبة ثانية، حتى أن الكاتب اليساري، يهودا شنهاف، قال إن القادة الإسرائيليين، من الجناح اليميني بالذات، لا يعترفون بارتكاب النكبة إلا عندما يريدون تهديد الفلسطينيين بنكبة ثانية.
في غضون ذلك، يحذر بن غفير بما يشبه التهديد من "حارس أسوار 2" (في إشارة إلى العمليات الأمنية لقمع هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021) وهو ليس فقط يعد العدة لذلك، بل يعمل من خلال انتهاكه المتواصل لـ"الستاتوس كو" (Status quo) في الحرم القدسي الشريف، على إشعال هبة جديدة، ويطالب لهذا الغرض بزيادة كبيرة في ميزانية الشرطة التي يتولاها، بهدف إقامة وحدة "حرس وطني" تكون تابعة له بالإضافة إلى قوات "حرس الحدود" العاملة في الضفة الغربية، إضافة الى زيادة أجور عناصر الشرطة وتجنيد آلاف المتطوعين الجدد.
وكما هو معروف، فإن بن غفير يرغب بـ"إغلاق الحساب" مع المدن الساحلية المسماة بالمدن المختلطة، وفكرته المتعلقة بإنشاء "حرس وطني" أو تحويل "حرس الحدود" إلى "حرس وطني" وتعزيز قواته، تنبع أصلا من غريزة انتقام من أبناء "المدن المختلطة" في مواجهة قادمة سيعمل كل ما باستطاعته من أجل اندلاعها وإعداد العدة لضمان نتيجة مختلفة عن المواجهة الأولى، لكنه غير مدرك أن شعب هبة الكرامة قادر على الخروج مرفوع الرأس وبكرامة في هبة ثانية وثالثة، مثلما هي جنين، ستدفن شهداءها وتنهض.