مرت السنوات ثقالًا على والدة الأسير أحمد جعب المغيب خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ وصفتها بأنها "دهر".
تهوّن على نفسها مرارة الغياب بقولها: "راح الكثير وبقي القليل، ولكني لا أعرف كيف سأتحمل مرور 5 سنوات حتى انتهاء حكمه والإفراج عنه، من اليوم بتُّ أعد الشهور والأيام، وأنتظر العام الأخير لأعد الساعات والتي سأشعر بأنها عن كل الأعوام التي مضت".
اعتُقل أحمد جميل جعب "37 عامًا"، من مخيم جنين للاجئين، في الخامس من يونيو/ حزيران 2006، وحُكم بالسجن 21 عامًا، وقد نالت منه سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال، إذ فقد بصره بالعين اليسرى وقد وتواجه شقيقتها المصير نفسه.
حاولت والدته أن تتحدث عن فرحتها بقدوم أحمد إلى الدنيا بعد إجهاض متكرر، تقول: "جاء لينير لي حياتي، ويجمل أيامي، هو أحلى شيء بالدنيا، بكري في الأبناء، والحفيد الأول للعائلة، حظي بدلال في طفولته لم ينله أحد بعده".
عندما استرسلنا بالحديث عن بعض التفاصيل الخاصة بأحمد، قالت الأم: "الحديث بهذه التفاصيل يجعلني أبكي ولا أتمكن من المواصلة، فالأمر مؤلم، غياب ابنك عن عينيك قسرًا، حرمانه زهرة شبابه ليقضيها بين القضبان، والسجان لا يحمل في قلبه ذرة رحمة".
تتابع حديثها وقد بدا صوتها مختنقًا بالدموع: "عندما تلقيتُ خبر اعتقال أحمد لم أتمالك نفسي، وجلست قرابة شهرين لا أتمكن من الوقوف على قدمي، حتى استطعت التأقلم قليلًا وتقبُّل الأمر، وأن مصيره الحرية، وأني سأتمكن من زيارته.. الله لا يذيقها لأحد".
لا تفوّت "أم أحمد" أي زيارة لنجلها، ففي العام الأول من اعتقاله كانت عندما تذهب يتقطع قلبها عليه، وحين عودتها تموت من وجعها مرة ثانية، ففي كل زيارة تتفتح جروحها من جديد، مشيرة إلى أن أحمد كان يقضي وقت الزيارة في إعطاء والدته جرعة من الصبر.
تقول: "ما كان يزيد خوفي وقلقي على أحمد أنه كان يعاني ضعفًا في النظر بعينه اليسرى ويحتاج إلى متابعة طبية دائمة ونظارة لتسهل عليه الحركة، ولكن الاحتلال مارس عليه سياسة الإهمال الطبي وحرمه من العلاج وتوفير نظارة حتى وصل به الحال إلى فقدان النظر فيها، وانتقال ضعف البصر إلى عينه اليمنى".
ورغم الوجع والألم الذي يعيشه أحمد في الأسر إلا أن إرادته العالية دفعته لرسم أحلام حياته بعد الإفراج عنه، حيث ينوي إكمال حياته العلمية، بعد أن اجتاز الثانوية العامة في السجن، وحصل على شهادة البكالوريوس بتخصص التاريخ.
وتوضح والدته أن أحمد في وقت الدراسة كان بأمس الحاجة لنظارة طبية لتخفف من معاناته، وبعد مطالبات منه استجابوا له.
تضيف والدته: "كنت أتمنى أن أعيش معه فرحة النجاح، وأن يكون موجودًا في نجاحات أشقائه ومناسباتهم، وفي الأعياد والرمضانات التي مرت من دونه، حتى عندما أعد الأكلات التي يحبها".
دعاؤها الوحيد أن يخفف الله عليها سنوات الأسر المتبقية، وأن يمدها ووالده بعمر يمكنهما من احتضانه دون فواصل زجاجية كتلك التي تعيق تواصلهما في سجون الاحتلال.
"أنا دفيان"، هكذا يقول أحمد لوالدته بعدما نُقل إلى سجن النقب، مضيفة: "الله يعينهم على الأيام اللي بيقضوها، احنا قاعدين ببيوتنا وأمام المدفأة وبردانين، كيف هما اللي قاعدين بخيم، كيف بيناموا ليلهم في البرد؟!".