للأسبوع الثاني على التوالي تخرج المعارضة الإسرائيلية إلى الشوارع احتجاجًا على ما تسميه "الانقلاب القانوني"، رغبة منها بأن تشعر الحكومة اليمينية الجديدة أن "الكراسي تهتز من تحتها"، بتوسعة رقعة المتظاهرين، وعدم صبغهم بلون سياسي وحزبي واحد، بل من جميع الأطياف السياسية.
يزعم منظمو مظاهرات السبت الأخيرة أنها جاءت ردّا على التحركات "المجنونة" التي تقودها الحكومة الحالية، حتى أن بعض المشاركين فيها من الناخبين اليمينيين، ولم يصوّتوا لأحزاب الوسط وما تبقى من اليسار، لأن لديهم شعور حقيقي مفاده أن ما تعدها الحكومة بـ"الإصلاحات القانونية" ليست سوى عملية قتل فتاكة للمنظومة القضائية، وعن سابق إصرار وتعمّد، ويبدو أن الإسرائيليين بمظاهراتهم للسبت الثاني على التوالي يرفضون الانصياع لها، لأنهم يرونها خطيرة للغاية من شأنها أن تغيّر وجه الدولة بأسرها.
أفرزت مظاهرات السبت الثاني معضلة سياسية قانونية في الآن نفسه، في ظل توفر 64 عضو كنيست يعطون أصواتهم تلقائيًا لما تقترحه الحكومة من مشاريع قوانين وقرارات، في حين أن المعارضة تعلن أنهم لا يمتلكون هذا التفويض، بهذه الشمولية، وصحيح أنهم منتخبون، لكنهم لا يستطيعون فعل كل ما يريدونه، وإلا فإن ما سيصدرونه من مراسيم وقوانين لن يكون شرعيًا، ما قد يحوّل قاعة الكنيست إلى ساحة استقطاب ساخنة بين المؤيدين والمعارضين، وكسب مزيد من الوقت، من أجل إيجاد فرصة أخرى لكبح هذه التحركات الخطيرة.
لا يبدو أننا سنطوي قريبًا متابعة مظاهرات السبت الأسبوعية في دولة الاحتلال، بل قد نكون في بدايتها، ومن الواضح أن المعارضة تنوي تنظيم المزيد منها كل أسبوع، وربما عدة أشهر، حتى يشعر من يجلسون في الحكومة أن كراسيهم تهتزّ، بالعمل على كل المستويات، وفعل الكثير بقدر ما تستطيع لمنع تحقق خطوات الحكومة وائتلافها اليميني، التي تستعين بأغلبيتها البرلمانية وتستخدمها مثل "ورقة توت" تستر به عوارها القانوني والدستوري.
في المقابل، صحيح أن الحكومة وشركاءها يظهرون عدم اكتراثهم بهذه المظاهرات، ويديرون ظهورهم لها، لكن إذا تواصلت أسبوعيًا، وبصورة دورية، فسيكون من الصعب جدًا عليها مواصلة عملها، وكأن شيئًا لم يحدث، لأننا أمام احتجاج حقيقي تمامًا، لا يقوده حزب سياسي بعينه، أو كتلة برلمانية بذاتها، بل يشارك فيها قطاعات واسعة من الإسرائيليين، ممن يعتقدون أن الدولة تنزلق من بين أصابعهم، على حد وصفهم.
بدأت المظاهرات في السبت الأول في تل أبيب والقدس وحيفا، وامتدت في السبت الثاني إلى بئر السبع وهرتسيليا، ومن يعلم فقد تتوسع في أيام السبت القادمة نحو مزيد من المدن، إلى أن يتحقق ما تدعو إليه المعارضة من البداية لعصيان مدني، وحينها سيكون لنا حديث آخر.