جيك سوليفان رئيس مجلس الأمن القومي في أميركا يزور تل أبيب و رام الله. لماذا سوليفان في المنطقة؟ الإجابة لا تقف عند تهنئة ومباركة حكومة نتنياهو، بل تتجاوزها لتنقل رسالة من رجل البيت الأبيض بايدن تقول: إن الوقت غير مناسب دوليًّا وعربيًّا لإجراء تغييرات ملموسة في واقع الضفة والقدس والمسجد الأقصى. أي إن البيت الأبيض يقول لنتنياهو إنه ملتزم بأمن دولة (إسرائيل) التزامًا حقيقيًّا وصارمًا، ويرجو ألا تحرج حكومة (إسرائيل) الجديدة البيت الأبيض بتصرفات أحادية في الميدان، من قبيل التوسع في الاستيطان، وتغيير الواقع المتفق عليه مع الأردن في المسجد الأقصى. وإن بايدن يتوقع استجابة إسرائيلية للرؤية الأميركية. هذا وتؤكد قيادة البيت الأبيض أن أمريكا ستدافع عن (إسرائيل) في المحافل الدولية، وفي مواجهة إيران. وإن أمريكا ستعمل لصالح (إسرائيل) في ملف التطبيع مع السعودية.
وثمة رسالة أخرى يحملها سليفان لرام الله تقول لعباس يجدر المحافظة على العلاقة الأمنية مع (إسرائيل)، ويجدر وقف الإجراءات التي تقوم بها السلطة ضد (إسرائيل) في المحافل الدولية، لا سيما في توجه السلطة لمحكمة لاهاي الدولية. وإن أمريكا ستزيد من مساعداتها المالية للسلطة الفلسطينية، وستحافظ على الوضع القائم بقدر المستطاع، وتدعم العودة للمفاوضات مع (إسرائيل)، وأن موقفها ثابت من حلّ الدولتين.
خلاصة القول: إن زيارة سليفان أشبه بزيارة سيارة المطافئ لنيران تشتعل، وتوشك أن تتسعر، وهذا يعني أن الزيارة لا تحمل أبعادًا إستراتيجية أو قوة دفع نحو حلّ الدولتين، وحق الفلسطيني في تقرير المصير. قد تنتهي زيارة سليفان بتخفيف جانب من النار المشتعلة، وإبعاد لحظة المواجهة بين السلطة وحكومة نتنياهو ابن غفير، ونزع جانب من التوتر في العلاقة مع الأردن في ملف إشراف الهاشميين على الأقصى، ولكن إلى حين.
ما أود قوله: إن زمن الحلول الكاملة والجذرية ليس متوفرًا الآن أمام البيت الأبيض، وحاجة البيت الأبيض إلى حالة هدوء في المنطقة تعد حالة ماسة حاليا في ظل تحولات الصراع في أوكرانيا، وتحولات الصراع الناعم مع الصين.
التأجيل قد يصب في صالح أميركا (وإسرائيل)، ولكنه بالتأكيد لا يصب في مصالح الفلسطينيين، الذين لا يتقدمون نحو الدولة وتقرير المصير، ويعملون تحت عقوبات إسرائيلية، وتراجع شعبي عن خيار المفاوضات. لا خيار أمام السلطة غير الخسارة إذا تقبلت عمل إطفاء النار الذي يعمل له سوليفان في زيارته لحكومة تل أبيب الجديدة المسكونة بنار الاستيطان المشتعلة، ونار التفرقة العنصرية.