في حين ينشغل الاحتلال بأزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة، وتغييرات تطال المنظومة القضائية وصفتها المعارضة بــ"الانقلاب"، فقد تجاوزت تبعاتها حدود الكيان، لأنها قد تزيل القيود المفروضة أمام قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي لاستدعاء واعتقال جنود الجيش وضباطه، لأن المحكمة العليا التي حازت على ثقة دولية بادعاء أنها كبحت جماح الجيش عن التصرف بعدوانية بحق الفلسطينيين، تجاوزتها الحكومة، مع أن معاييرها لا تلبي حماية حقوق الإنسان.
وفيما دأبت دولة الاحتلال على رفض تدخلات المحاكم الدولية، فإن الحماية القانونية التي تمتع بها جنودها وضباطها منذ عقود طويلة، بات ممكنًا تدميرها بالانقلاب القضائي الذي أقدمت عليه الحكومة الجديدة، باستهداف المحكمة العليا، بالتالي سيتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى عنصر تأثير في جميع مجالات حياة الإسرائيليين، بسبب قوانين الكنيست الأخيرة التي تسمح بإعادة سن قوانين ترى المحكمة العليا غير دستورية، لأنها ستضع الكنيست فوقها بصفة غير قانونية.
هذا الإجراء الجديد يعني أن المعترضين على جرائم الحرب الإسرائيلية والمشتكين سيكونون قادرين -بموجب القانون- على الاستفادة من حقهم في الاستئناف أمام محكمة الجنايات في لاهاي، وبالتالي فإن المناقشة التي حدثت في مجلس الأمن الدولي بسبب اقتحام ابن غفير للمسجد الأقصى، ستجد طريقها لرفعها إلى هيئات دولية، وسيجد ضباط كبار أن طريقهم معبّد للمحاكمات الدولية.
يستذكر الإسرائيليون محاولات سابقة لاستهدافهم على الساحة القضائية الدولية، منها إصدار محكمة لاهاي لرأيها القانوني بشأن شرعية جدار الفصل العنصري في 2004، ثم تقرير لجنة غولدستون للتحقيق في سلوك جيش الاحتلال في عدوانه على غزة 2008، وتقديم التماس إلى المحكمة الدولية في لاهاي ضد جيش الاحتلال قبل أسابيع قليلة للمطالبة بالتحقيق في استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة.
صحيح أن جيش الاحتلال رفض في كل هذه الحالات التعاون مع المحكمة، بزعم أنه ليس لديها سلطة قانونية، لكن قريبًا قد تكون هذه المزاعم في خطر، لأن السبب الرئيس لعدم وجود إسرائيليين أمام محاكم أجنبية هو قدرة المحكمة العليا الإسرائيلية على الإيفاء بنفس مستوى حماية حقوق الإنسان، مما يواجه تهديدًا جديًا بسبب توجهات الحكومة الجديدة.
التخوف الإسرائيلي من هذه التوجهات أن يتبع سنّ القوانين الداخلية صدور أوامر اعتقال دولية وشيكة بحق كبار ساستها وضباطها، فإذا غيّرت الحكومة إجراءات إطلاق النار، وقررت المحكمة العليا أنها غير متناسبة، ويجب إلغاؤها، فسيكون الكنيست بالأغلبية اليمينية قادرًا على تجاوز حكمها، وفي هذه الحالة سيفتح مثل هذا الإجراء باب المحكمة الجنائية في لاهاي، لإجراء محاكمة ضد جنود الجيش وصناع القرار، أي أن أوامر الاعتقال الدولية بانتظار الجنود والضباط، ستكون قاب قوسين أو أدنى.