من ركام الحجارة ومادة الإسمنت يجيب الفنان الفلسطيني مصطفى مهنا على سؤال مفاده: بماذا يشعر الفلسطيني عندما يُقصف أو يهدم منزله؟ وهو مشروع فني بدأه في عام 2019 بعد جولة تصعيد إسرائيلي أدت إلى تدمير مشروع صغير كان صديقه قد دشنه حديثًا.

يقول مصطفى: استهداف الأبنية السكنية والمنازل في الهجمات العدوانية على غزة حالة شبه دائمة على هذه البقعة الجغرافية، ولكنها ليست حالة عابرة تنتهي بإزالة الركام أو آثار الخراب التي تحل بالشوارع والأزقة والبيوت، وإنما تترك أثرًا اجتماعيًا ونفسيًا بليغًا في نفوس أصحاب الذين عادة ما ينهضون من جديد، متعالين على القصف الذي يدمر العزائم ويحطم الآمال.

ويضيف: "المنزل ليس مجرد جدران، بل هو ذكريات ومأوى، وتفاصيل الحياة التي نعيشها، وإذا ذهب البيت رحل معه كل شيء".

ويوضح أن "النهوض من جديد"، هو عنوان المنحوتات التي عمل على تشكيلها من حجارة أبنية دمرها القصف مستعينًا بمادة الإسمنت والطين.

ومهنا "31 عامًا" مصمم ديكور، ورسام يهوى الفن المعاصر، وسبق له المشاركة في العديد من المعارض والورش الفنية.

ويلفت إلى أن مشروعه، "يعبّر فيه عن سريالية الواقع الغزي بعد كل استهداف للمباني السكنية والتجارية، فبالرغم من الوجع الذي يعيشه بفعل التدمير والموت والفقد، إلا أنه يعود بعد كل حرب من جديد، ينهض الشعب من بين الركام ليبني نفسه".

ويمضي إلى القول إن اختياره مادة الإسمنت كان أساسًا بنيويًا لعمله، لأنها الأساس الذي تتشكل منه الأبنية المدمرة، ولأن اللون الرمادي يعبّر عن كآبة الواقع المعاش بفعل جرائم الاحتلال.

ويعمد مهنا عبر أعماله النحتية إلى أن يعكس صورة المشهد الغزي الذي يحاول بناء نفسه بنفسه من جديد بعد كل حرب وتصعيد، ويخرج قويًا من بين الركام بالرغم من قلة الإمكانات، والحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة، إذ يعيد الناس إعمار بيوتهم وفتح محالِّهم التجارية، وممارسة حياتهم التي كُتبت عليهم بحلوها ومُرها، قائلًا: "هي طريقة رمزية للتعبير عن جزء من مشاعر ساكني تلك المنازل".

وعاشت غزة أربع حروب عدوانية إسرائيلية، وفي إحداها قصف المبنى الذي كان يسكنه، وأحالت الحرب آلاف الوحدات السكنية إلى كومة ركام، ومنها ما لم يعد بناؤها بعد.

ويشير مهنا إلى أن منحوتات "النهوض من جديد" عبارة عن دمج ودراسة ما بين الجسد والمباني المدمرة، وتعبّر عن الآثار النفسية التي خلفتها الحرب، وتشي بقــوة العزيمة الموجودة في أرواح سكان المدينة التــي دفعتهــم ليمضــوا قدمًــا في الاستمرار بالحيــاة.

ويأمل مهنا بأن يتمكن يومًا من إنجاز منحوتة فنية كبيرة يعبّر فيها عن "أسطورية غزة التي تشبه طائر العنقاء" لتمثل نصبًا تذكاريًا للمدينة التي لا ينقطع عنها رماد الحروب والتخريب الإسرائيلي.