مرت ساعات قليلة بعد أن دخل هآرتسي هاليفي القائد الثالث والعشرون لجيش الاحتلال مقر هيئة الأركان، خلفًا لأفيف كوخافي، الذي أنهى أربع سنوات عصيبة عليه، واكب فيها أربع حكومات، وكان تابعًا لثلاثة وزراء حرب متعاقبين.
هاليفي لم يعاصر تحديات أقل من سلفه، ولا سيما ذات البعد الداخلي، فقد بات الجندي الأول في الجيش، في حقبة سياسية حكومية غير مسبوقة، مليئة بالاضطرابات والتوترات، بالتزامن مع تعيين وزير حرب جديد، ووجود وزير آخر في الوزارة، وثالث يزاحم على صلاحيات فيها، والثلاثة من أحزاب مختلفة، فالأول يوآف غالانت الليكودي، والثاني بيتسلئيل سموتريتش زعيم الصهيونية الدينية، والثالث إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، في حين يشهد الجيش جملة تعيينات هيكلية إلى جانب تغييرات حكومية وتنفيذية سيتعين عليه الاندماج فيها، ليعتاد على الحقائق والمواقف السياسية الجديدة.
لم يعد سرًّا أن هاليفي قد يضطر في هذه الأيام العصيبة على الاحتلال إلى إظهار كثير من التحدي للمستوى السياسي الساعي إلى "تسييس" الجيش، بالتزامن مع جهوده لـ"تديين" الدولة، ولذلك سيحاول إبعاد الجيش عن السياسة، على الرغم من أن هناك عقبات تعترض طموحه، هذا في ضوء تراجع صورة الجيش في نظر الإسرائيليين، إذ لم يعد "البقرة المقدسة" التي يحتمون بها، لكنه سيواصل طريق كوخافي بعدم إقحام الجيش في فوضى تضارب الصلاحيات الجاري بين الوزراء الثلاثة من جهة، ومن جهة أخرى خشيته أن تصبح للجنود والضباط مرجعيات أخرى غير قادتهم في الميدان.
يعد ما شهدته الساعات الأخيرة من تبادل لرئيسي الأركان، فضلًا عن كونه حدثًا احتفاليًا في الجيش، فإنه يعد نهاية حقبة، وبدء عهد جديد، ليس بسبب أجندته الأمنية العسكرية فحسب، بل لبحث تبعات الأزمة السياسية التي تعصف بدولة الاحتلال، وستترك تأثيراتها على الجيش بالضرورة، مع إضافة حقيقة مفادها أن تعيين هاليفي كان من الحكومة السابقة، ولم يجد ترحيبًا كبيرًا من أعضاء الحكومة الحالية، على الرغم من ذلك فقد التقى بالفعل مع نتنياهو وغالانت وسموتريتش.
يتوافق الإسرائيليون على أن التحدي المباشر أمام هاليفي سيكون التمسك بمبادئه في مواجهة الحكومة الجديدة، وعدم المساومة على منصبه المهني قائدًا للجيش، فضلًا عن التهديدات القادمة من إيران وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ونظريته تجاهها أن أفضل حرب تلك التي يمنع وقوعها، أو يؤجلها، ساعيًا إلى إيجاد فاصل زمني كبير قدر الإمكان بين الحربين، بجانب دعمه للتحالف مع الكتلة "المعتدلة" في المنطقة، ورؤيته لإيران المشكلة رقم واحد، ما يعني أنه لن يكون لديه ثانية واحدة من الراحة لمواجهة سلاحها النووي، والتصدّي لتعزيز قدرات حزب الله، وغزة المستعرة، والضفة القدس المتفجرتين دائمًا.