بينما تحاجج حكومة الاحتلال بأنها تمثل غالبية الإسرائيليين، فإنها تستغل هذه الذريعة لتكثيف احتلالها وسيطرتها على الأراضي المحتلة، وحرمان الفلسطينيين منها، وإحكام الفصل العنصري عليهم، باستعانتها بقوى المستوطنين المتدينين اليمينيين، الذين يمثلون العنصرية الإسرائيلية في أسوأ تجلياتها.
من أجل فهم أوسع لهذه التوجهات العنصرية الاحتلالية، يمكن الذهاب إلى الخطوط الأساسية للحكومة نفسها، التي زعمت أنه للمجتمع اليهودي "حق حصري، لا جدال فيه، في جميع مناطق" فلسطين المحتلة، أي أنها رسمت حدود المنطقة بكاملها بين النهر والبحر، ما يعني أن محو الخط الأخضر عملية طويلة الأمد، بدأت في عهد حكومة مناحيم بيغين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينيات، لكنها هذه المرة أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، في ضوء أن اليمين يلعب على جانبي الخط الأخضر بقرارات حكومية انقلابية.
مثل هذه القرارات تتخذها حكومة الاحتلال في الضفة والقدس، عبر الجيش أو الوزارات التي يقودها وزراء اليمين المتطرف، ممن يعيشون هم أنفسهم داخل المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين المحتلة، ما يمثل تعبيرًا ملموسًا عن هذه الخطوات الاستفزازية.
وما دامت هذه الحكومة تتجاوز سياساتها فلسطين المحتلة 48 إلى الضفة والقدس وغزة، فإن مسألة الأغلبية والأقلية بحاجة لإعادة نظر، لأن لغة الأرقام تفنّد ادعاءاتها، وفقًا لما أعلنه البروفيسور أرنون سوفير، المسمى "نبيّ القنبلة الديموغرافية"، الذي أكد أن قرابة 15 مليونًا بين النهر والبحر، 7.454 ملايين بنسبة 49.84% من اليهود، و7.503 ملايين بنسبة 51.16٪ من الفلسطينيين، أي أنهم هم الأغلبية، ولو كانوا بنسبة صغيرة، لكنهم يبقون أغلبية.
في الوقت ذاته يمكن طرح الافتراض المنطقي بأن جميع الفلسطينيين يعارضون الاحتلال والفصل العنصري اللذين يُفرضان في الأراضي المحتلة، مقابل 30% من الإسرائيليين يؤيدون فكرة حل الدولتين المتمثل بإنهاء الاحتلال، في حين 65% ممن يعيشون اليوم بين النهر والبحر يعارضون الوضع الحالي للاحتلال، أي أن الحقيقة الموجودة تفيد بوجود أغلبية قوية ضد سياسات الاحتلال، والاستيطان، والضم.
وما دامت الأغلبية داخل الخط الأخضر من الفلسطينيين في الضفة والقدس وغزة، فإنهم لا يجب أن يتعايشون مع الشعور بأنهم أقلية بل الأكثرية، أما المحتلون فهم الأقلية ممن هاجروا لفلسطين المحتلة من شتى أصقاع الأرض، وأتوا من شتاتها، ليقيموا دولة الاحتلال على أنقاضها.
إن تقادم الزمن لا يلغي هذه الحقيقة التاريخية، بل يمثل دافعًا للفلسطينيين لمزيد من بذل الجهد والمقاومة لتغييرها، وتثبيت حقهم في أرضهم، مهما أظهر الاحتلال من استعلاء وعداء وجبروت، لأن منطق القوة الإسرائيلي لا يجب أن يتغلب على قوة المنطق الفلسطيني.