فلسطين أون لاين

جنود الاحتلال جرَّدوه من ملابسه مصابًا ومنعوا نقله إلى المشفى

تقرير سمير أصلان.. الرصاصة التي اخترقت جسده طفلًا عادت لتقتله بعد 40 عامًا

...
سمير أصلان.. الرصاصة التي اخترقت جسده طفلًا عادت لتقتله بعد 40 عامًا
القدس المحتلة - غزة/ يحيى اليعقوبي:

على أصوات جلبة أسفل منزله استيقظ نضال أصلان (45 عامًا)، تلاها صوت تفجير باب شقة نجله الذي كان في عمله الليلي، ليروع جنود الاحتلال الإسرائيلي زوجة ابنه وأطفالها الصغار، وتصله أصوات بكائهم. أحد الأشخاص الملثمين المرافقين لقوات الاحتلال أدرك خطأه في إرشادهم إلى الهدف المطلوب: "مش هاي الشقة.. اللي جنبها".

قبل أن يُفجروا باب شقته، فتح نضال الباب ليجد بندقيات جنود الاحتلال تشهر في وجهه الساعة الثالثة فجر الخميس الماضي بمخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، يسأله الجندي وهو ما زال يشهر سلاحه على رأسه: "أنت سمير؟".

أشار نضال نحو شقة شقيقه سمير في الطابق العلوي، ليطلب الجنود مرافقته لهم، يتقدمهم كلب حراسة، نادى على شقيقه يحاول قطع الفرصة على جيش الاحتلال بتكرار ما عاثوا به بالأسفل: "سمير في جيش افتح؛ بلاش يفجروا الباب".

يكمل أصلان رواية التفاصيل لصحيفة "فلسطين": "دخل جنود الاحتلال شقة شقيقي بعدما فتح الباب، كان عددهم كبيرًا ففتشوا الشقة، رفع الضابط صوته على أخي سمير: "وين أولادك؟" فأشار إلى وجودهم، لكن الضابط كان غاضبًا: "وين كل أولادك؟ وين رمزي؟" فأحضر نجله البالغ من العمر 17 عامًا، فأمر الضابط باعتقاله، واقتادوه معهم إلى الأسفل، حاول أخي الدفاع عن نجله ومنع اعتقاله لكني طلبت منه الهدوء".

يحرك صوته بقية المشهد، الصدمة تسيطر على صوته: "كنت أقف في المنزل مع شقيقي سمير، ويوجد حولنا عدد كبير من جنود الاحتلال، نزلت على الدرج، توقفت للحظة أمام صوت رصاصة هزَّت أرجاء المنزل، اعتقدنا أنّ المصاب أخي الذي يسكن في الطابق الأخير "لؤي" فصعدت بسرعة إلى أعلى لكني وجدته سليمًا".

فوق سطح المنزل

أكمل نضال طريقه إلى سطح المنزل ليرى مصدر إطلاق الرصاصة، اعتقد أنّ جنود الاحتلال أعدموا ابن شقيقه، ليتفاجأ بوجود شقيقه سمير ممددًا على الأرض غارقًا في دمائه، اخترقت الرصاصة التي أطلقها قناص إسرائيلي ظهره وانفجرت في قلبه، حينما أطلَّ برأسه من فوق سطح منزله يراقب اعتقال نجله الأكبر، نظرةٌ كانت تحت عينَيْ قناص إسرائيلي.

حمل شقيقه بمساعدة نجله وزوجات وبنات أشقائه لمحاولة إسعافه، أنزلوه عن الدرج تحت أنظار جنود جيش الاحتلال، لكنَّ الجنود الموجودين في الأسفل أوقفوهم وطلبوا منهم وضعه على الأرض على الرغم من أنه ينزف وحالته خطيرة.

يستحضر نضال التفاصيل: "جردوه من ملابسه، يسألني الضابط بكل تبجح وكأنه لا يعرف شيئًا وبلا إنسانية أو أي ذرة مشاعر: "وين رايح؟ فأجبته: "أنت أطلقت النار عليه بلا سبب.. ماذا فعل لك؟".

احتجز جنود جيش الاحتلال سمير مدة ربع ساعة، وأمام ضغط الجيران واندلاع مواجهات بين الشبان وجيش الاحتلال تركوا عائلته تنقله إلى المشفى، لم يلبث أكثر من ربع ساعة على سرير غرفة العناية المكثفة حتى لفظ آخر أنفاسه، وارتقى شهيدًا.

تغادر النبرات الغاضبة حنجرة شقيقه نضال: "هذا جيش لا يرحم لا ولدًا ولا حجرًا، يتعامل معك كأنك لست إنسانًا ولا بشرًا، كان ينظر إلى ابنه رمزي لأنه كان يعده صديقًا وليس ابنًا فقط، إذا ذهب إلى شرب القهوة يأخذه معه، يسهران معًا ولا يتفارقان، فلم يهن عليه اعتقاله".

عائلة مترابطة

لدى سمير أصلان تسعة أولاد (5 بنات و4 أولاد) تتراوح أعمارهم بين 3-17 سنة، يعمل والدهم في محل لبيع اللحوم، تعرض للإصابة عندما كان طفلًا بعمر 9 سنوات، تفاصيل لا تفارق ذاكرة شقيقه: "يومها أطلق جنود الاحتلال رصاصة عليه، فدخلت بطنه وخرجت من ظهره، وكانت حالته خطرة لكنّ الله أراد أن يعيش ويكبر ويرزق بالأولاد".

امتاز الشهيد أصلان بقربه من عائلته وأشقائه، يجمعهم بيت واحد، ودفء واحد، دائم الاجتماع بأشقائه، يردف شقيقه: "لدينا مجموعة عبر تطبيق "واتساب"، عبرها نحدد موعد الاجتماع، ونلتقي نحن الإخوة عند والدَينا المُسنَّين".

يبتسم صوته بين مرارة الجرح: "إذا تغيَّب أحدنا، نظل نتصل به ونعاتبه بأنّ "زوجته قيّدته بالبيت" حتى يأتي إلى الاجتماع، فكانت حياتنا سعيدة تجمعنا روابط قوية".

قبل ثلاثة أيام من استشهاده أخبر أصلان والدته أنه "ادّخر4 صناديق تمر ومياهًا وسيُوزعها عن روحها"، يعلق شقيقه بعدما ترحَّم على روحه: "تضايقت أمي يومها من كلامه الذي امتزج بين الجد والمزاح، ولم ندرِ أنه يودعنا، وأنّ تلك الصناديق سيُوزعها عن روحه هو، حتى أنه في نفس اليوم سلّم على جميع أبناء أشقائه واستغرب الجميع منه".

"سمير رجل محترم ومناضل والجميع يشهد له، حياته من بيته إلى عمله، يحب أبناءه وأبناء أشقائه، لا يُزعل أحدًا، حتى الآن أولاده لم يستوعبوا ما حصل، فكان استشهاده صادمًا لنا جميعًا" يمر سمير على صفاته.

امتاز أصلان بأنه صاحب "نفس مميز" في إعداد الطعام، فكان يتولى تجهيز الطعام في اللمات العائلية مستفيدًا من خبرته في العمل بمحل اللحوم، اعتادت العائلة على الأكل من "تحت يديه"، كانت تزين ابتسامته تلك الموائد، بلمح البصر اختفت هذه البسمة ورحل صاحبها شهيدًا، يبكي شقيقه حسرة كما سيبكيه في كل مرة تجتمع العائلة وسيغيب سمير، "أعدموه بدم بارد، لم يحدث أيّ اشتباك حتى يطلقوا النار عليه، كيف يُقتل لمجرد النظر من سطح المنزل على ابنه".

قبل أربعين عامًا اخترقت جسده رصاصة إسرائيلية عندما كان طفلًا، لكنه نجا وعادت الرصاصة من القاتل نفسه لتخترق جسده في نفس الموضع وتقتله بعد أربعين عامًا.