فلسطين أون لاين

تقرير "أبو جنيد".. شهيدٌ عاد للأماكن التي قاوم فيها جيش الاحتلال

...
الشهيد أحمد أبو جنيد

غزة/ يحيى اليعقوبي:

تعالت على جراحها، وهي تقف أمام جثمان ابنها أحمد أبو جنيد (21 عامًا) المسجى أمامها شهيدًا، تقود هتافات اعتاد المشيعون ترديدها: "يا خالد يا بن الوليد.. جبنالك عريس جديد" يتوارى حزنها خلف صلابةٍ كسرها الفقد، تحاول التماسك في مشهد يختلط فيه الحزن والفرح ولا تجده إلا في بيوت الشهداء: "يا أم الشهيد وزغردي، كل الشباب أولادك".

تخاطب والدته روحه أمام جموع المشيعين تواسي مصابها الجلل: "نصيبي يا حبيبي، يا مهجة قلبي"، تبكي بحسرةٍ على فرحة انتظرتها، يحفر الحزن في صوتها نبرة الأسى: "ما زوجتش أولاد، بس خلص بدهم يزفوك عريس. بده يستشهد، قديش حاولت أمنعه مقدرتش".

وارتقى الشاب "أبو جنيد" مساء أول من أمس، متأثرًا بإصابته الحرجة في رأسه التي أصيب بها فجر اليوم ذاته، خلال اقتحام قوات الاحتلال مخيم بلاطة في نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة.

خرج المشيعون من باب منزل يهتفون: "لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله"، تشاركهم أمه في حمل نعشه وهو مشهد بات متكررًا يصنع من الفقد صورة نصر، وجابوا نابلس من شرقها إلى غربها منفذين وصيته بالتوجه بجثمانه إلى الأماكن التي كان يقاوم فيها جيش الاحتلال، لتبقى شاهدةً على مسيرته في مقارعة جنوده.

سار المشيعون إلى "مخيم العين" بالمنطقة الغربية في نابلس، التي كان يحرسها في الليالي الباردة من تسلل قوات الاحتلال الخاصة، مرورًا بالبلدة القديمة ودوار الشهداء، في مكانين تفوح فيهما رائحة الشهادة ومن حجارتها عبق الانتماء وحب الوطن.

مسير وداع

وانتهى المسير عند مخيم بلاطة؛ المكان الذي استشهد فيه وكتب فيه أحمد الفصل الأخير في حكاية شاب مقاوم كانت فلسطين تجري في دمائه ومثلت له كل شيء، فكان أشبه بمسير وداع لتلك الأماكن والأزقة التي خاض فيها معاركه في الدفاع عن الوطن ومقاومة الاحتلال.

وكان الشاب "أبو جنيد" قد رفض عروض تسليم سلاحه حتى آخر لحظات حياته، إذ عرضت عليه أجهزة أمن السلطة حسبما أفادت مصادر لصحيفة "فلسطين" الحصول على وظيفة مقابل التخلي عن طريق المقاومة، لكنه رفض وظل أمينًا على عهد رفاقه الشهداء، ولم تغرِه تلك العروض عن طريق عبّده رفاقه بدمائهم.

فجر يوم الاستشهاد، أرسل "أبو جنيد" تسجيلا صوتيا لزميل دراسته وصديقه صدقي ريان دعاه فيه لتناول طعام الإفطار معًا، ليجد صديقه نفسه بعد ساعات يلبي نداء الجنازة بعد إعلان إصابته وارتقائه.

يغرس الحزن أنيابه في صوت صديقه ريان متحدثًا لـ"فلسطين": "أراد أحمد الشهادة وكان قلبه على الوطن"، مستذكرًا لحظة إصابته: "قال لي حينها: بجوز ربنا يكتبلي الشهادة بعدين".

لم يكن يخبر أحدا أنه مطارد أو مطلوب "لكننا علمنا بعد ذلك، وتحدثت معه، فرفض ترك الطريق وقال: الوطن أهم من الدنيا"، وفق صديقه.

يردف ريان مهنئًا صديقه الشهيد "ما دام يعرف أين ذاهب، فمبارك عليه الشهادة"، رحل وترك لصديقه عشرات الصور التي جمعتنا معًا.

الصحفي الطموح

مدرّسته المحاضرة في كلية الإعلام بجامعة القدس المفتوحة منار صبرة، التي أشرفت على تدريسه على مدار ثلاث سنوات، لم ترَ "أبو جنيد" بسلاحه، ولم تعرف كثيرا عن شخصيته المقاومة، لكنها لا تنسى ضحكته وابتسامته داخل المحاضرة خلال المرات القليلة التي كان يحضر فيها مع بقية الطلاب، لم تنسَ تبريره عدم حضوره أو تسليمه الواجبات بابتسامة خجولة: "مشيها يا مس".

من المواقف التي لا تنساها صبرة لـ"أبو جنيد" لقاؤها الأخير به حينما سألته عن وضعه الصحي بعد إصابته بشهر تقريبا، تروي لـ"فلسطين": "أجابني يومها أن وضعه مستقر، وحين أشرت إلى وضعه الأمني أجابني بابتسامة: خليها على الله الطريق هاد مكملينه".

وعلى الرغم من أن "أبو جنيد" لم يكن ملتزما الحضور في السنة الأخيرة بسبب إصاباته المتكررة ومطاردته من الاحتلال، فإنه بعد ٣ أعوام من تدريسه تجزم مدرّسته: "كان محبوبا من الجميع، وأكثر ما يميزه ابتسامته الخجولة التي لا تغيب عن وجهه، كان من الناشطين في الحركة الطلابية، وهذا ما جعله مقربا من الطلبة".

في كل الوقفات الوطنية كان حاضرا ومؤثرا، لا أنكر أن الفترة الأخيرة وظروف مطاردته جعلته بعيدا عن الجامعة والطلبة، لكن كان يعجبني حرصه الدائم على الرغم من مخاوف الاستشهاد على النجاح والحصول على العلامات العالية، تضيف.

اختار أحمد تخصص الصحافة والإعلام ليكون صحفيا فلسطينيا واعدا يفضح انتهاكات جيش الاحتلال بحق الصحفيين والأطفال والنساء، ويكتب ويوثق الانتهاكات بالصوت والصورة، وعندما أدرك أن الجميع في مرمى النار رفع السلاح في وجه المحتل.

 

المصدر / فلسطين أون لاين