فلسطين أون لاين

ضغط أمني يجمّد حياة العائلات ويفاقم معاناتها

تقرير أجهزة أمن السلطة تمارس اعتقالها السياسي بأسلوب "المستعربين"

...
رام الله - غزة/ يحيى اليعقوبي:

مساء السبت الماضي، وفي أثناء عودة المواطن مزيد سقف الحيط من عمله تفاجأ بحاجز متنقل مفاجئ، لمركبتين من جهازي وقائي ومخابرات السلطة في نابلس، فأنزله مسلحون ملثمون من سيارته واقتادوه معهم، فيما قاد عنصران آخران سيارته.. أحد شهود العيان أفاد سماعه تعليمات من ضابط الدورية للعناصر بإعطائهم ضوءًا أخضر: "اضربوه من هان ليوصل المقر".

اقرأ أيضًا: مراقبون: الاعتقال السياسي في الضفة يشتد كلما نما العمل المقاوم

بات متكررًا خلال الشهور الأخيرة اعتقال المواطنين والمحررين وطلبة الجامعات من الشوارع وفي أثناء عودتهم من أعمالهم أو الخروج من المساجد والجامعات، فهو أسلوب جديد تستخدمه أجهزة أمن السلطة، وهو قديم جديد يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي في الاعتقال أو الاغتيال، يؤثر على حياة المواطنين المعتقلين وعائلاتهم ويضاعف معاناتهم.

إضافة إلى إفادة شهود العيان لزوجة المواطن سقف الحيط وهو أسيرٌ سابق، نقلت محامية زوجها لها إفادته بتعرضه للضرب و"الإهانة" وأنه جرى تمديد اعتقاله 48 ساعة، ومتوقع تمديد الاعتقال 15 يومًا إضافيًّا.

حال متوقف

وبقيت زوجته لحظة اعتقاله تنتظره هي وأطفالها الثلاثة حتى ساورتها الشكوك على مصيره، فيما داهم النوم أطفاله الذين ملّوا الانتظار إلى أن أطلّت صورته وخبر اعتقاله تداوله الناشطون على مواقع التواصل، لتستيقظ ابنته فرح (10 سنوات) وشقيقتها غنى (9 سنوات) وشقيقها مجدي (7 سنوات) في اليوم التالي على وقع الخبر، وتتجدد ذكرى اعتقاله الأولى في وقت يقدمون امتحانات نهاية الفصل.

لم يكن الخبر الذي جاء في وقت امتحانات دراسية لنهاية الفصل سهلًا على الأطفال، تقول زوجته لصحيفة "فلسطين": "رغم أنّ أبنائي متفوقون لكني لا أستطيع تدريسهم أمام انشغالنا باعتقال زوجي، وهم كذلك يريدون والدهم".

قبل عام ونصف اعتقل أمن السلطة المحرر سقف الحيط لثلاثة أشهر، مدة صعبة مرت على عائلته لكونه المعيل الوحيد لهم، وتأثَّر مصنعه للحلوى الذي يعمل فيه 5 عمال وتوقَّف حالهم أيضًا، "بالكاد استطاع لملمة أوضاع المصنع وإعادته للحياة وإرجاع عاملين حتى عادوا واعتقلوه ليتوقف حاله وحالنا"، تُعلّق بقهر.

في المرة الأولى لم تستطِع الإفصاح لطفلها الصغير الذي يبلغ من العمر خمس سنوات ونصف عن مكان تواجد والده، وأخبرته أنه في سفر حتى "لا تتأذى نفسيته" ورغم ذلك واصل البكاء والسؤال اليومي عن والده.

اقرأ أيضًا: مرداوي: اعتقالات السلطة في برقين إصرار مقيت على جريمة الاعتقال السياسي

 وفي الاعتقال الحالي لم تستطِع اختيار القصة نفسها، فالطفل الذي يبلغ من العمر سبع سنوات أدرك أنّ والده معتقل لدى جهاز فلسطيني، لكن هذه المرة تؤذي الحقيقة الطفل وأمه: "صراحة بطلنا نعرف نفرق بين الاحتلال والسلطة، صعب ما نتعرض له لمّا يكون من أولاد بلدك".

مسنة مريضة

بطريقة مشابهة، وفي أثناء خروج المواطن مصطفى محمود جرار من المسجد بعد أداء صلاة العشاء في مسجد قرية برقين في جنين الخميس الماضي، اقترب منه باص بداخله أفراد من جهاز وقائي السلطة وجميعهم كانوا ملثمين، فتحوا باب السيارة وأدخلوه بداخلها.

يقول شقيقه مبروك جرار: ما جرى عمليةُ اختطاف وليس اعتقالًا، وهي طريقة غير مقبولة وطنيًّا ولا أخلاقيًّا، ويروي لصحيفة "فلسطين" بقية التفاصيل: "خرج أخي من المسجد، ثم جاؤوا بطريقة المستعربين، فلماذا هذا العداء؟ كانوا يستطيعون الاتصال به وطلب استدعائه"، لافتًا إلى أنّ محكمة السلطة مدّدت اعتقاله 10 أيام.

ويُكرّس مصطفى المتعطل عن العمل حاليًّا كل وقته لرعاية والدته المسنة والمريضة بفقدان الذاكرة إضافة لشقيقته من ذوي الإعاقة، وباعتقاله تفاقمت حالتها الصحية ووضعها الإنساني، فتقضي أوقاتًا كثيرة وخاصة ليلًا بالبكاء المتواصل.

في فبراير/ شباط 2018 اعتُقل مصطفى جرار لدى الاحتلال عشرين شهرًا، فيما اعتُقل لدى السلطة عدة مرات ووُجّهت له تهم تقديم "مساعدات وخدمات" للمواطنين.

والمعتقل جرار هو شقيق زوجة رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية خليل عساف، الذي تابع القضية وأجرى اتصالات مع مسؤولين أمنيين بالسلطة وجزائريين حول الاعتقال السياسي بشكل عام وقضية جرار.

وقال عساف لصحيفة "فلسطين": " للأسف، لم يعد بالإمكان تغيير الحالة الموجودة بالضفة الغربية حول الاعتقال السياسي، فأجهزة أمن السلطة تعتبر أنّ أيّ فعل يقوم به أبناء الحركات والفصائل السياسية الأخرى حالة تحريض وليس عملًا وطنيًّا، حتى أنّ بعض المسؤولين بالسلطة قالوا لنا: "ليش يعملوا بالضفة، يروحوا على غزة" وكأنه لا يوجد لدينا احتلال واستحقاقات وطنية".

تهم جاهزة

وعلّق عساف على اعتقال 8 مواطنين منهم شقيق زوجته مؤخرًا في بلدة برقين ووجّهت لهم تهمة "حيازة سلاح وأموال"، وهي تهم جاهزة وطريقة اعتقال تضع الناس أمام مواقف صعبة تعطي مبررًا للاحتلال لاعتقالهم إداريًّا، إضافة إلى تعطيل الحياة والأرزاق وبثّ الخوف بين الناس.

وأوضح أنّ أجهزة أمن السلطة لم تستجِب للاتصالات التي أجراها معهم، لافتًا إلى وجود حالة من الغضب وعدم الرضا لدى المسؤولين الجزائريين الذين رعوا اتفاق المصالحة وإعلان الجزائر في أكتوبر/ تشرين أول الماضي لتصاعد الاعتقال السياسي، خاصة تقديم شكوى من الفصائل للجزائر حول الحريات واستمرار الاعتقال.

وأردف: "صحيح هناك شيء شخصي بمسألة اعتقال شقيق زوجتي بحكم وجود حالة خاصة لمرض أمه وشقيقته، لكن في كل بيت قصة ورواية وألم كبير، فظلم ذوي القربى أشد مضاضة".

اقرأ أيضًا: بدران: الاعتقال السياسي جريمة تُدمّر النسيج الاجتماعي وتضرب العلاقات الوطنية

ولفت إلى أنّ هناك حالة من الضغط الأمني على الناس، وهي حالة لا يبدو أنها ستتوقف، مشيرًا إلى إضراب طلبة جامعة بيرزيت لمدة عشرين يومًا الشهر الفائت احتجاجًا على استمرار الاعتقال السياسي. 

الناشطة الحقوقية في قضايا الاعتقال السياسي أسماء هريش، تبين -خلال متابعتها ورصدها حالات الاعتقال السياسي- أنّ معظم حالات الاعتقال كانت على طريقة المستعربين بقيام ملثمين ومسلحين يتبعون السلطة باعتقال الناس من الطرقات.

كما حدث مع الطالب بجامعة بيرزيت قسام حمايل الذي اعتُقل أمام بوابة الجامعة واستمر اعتقاله أكثر من 150 يومًا، وبالطريقة نفسها اعتقلت قوات مستعربين تابعة للاحتلال زميله قبل عام من المكان نفسه، وفق هريش.

وقالت لصحيفة "فلسطين": إنّ "شقيقها أحمد الذي اعتُقل 160 يومًا بطريقة المستعربين، حيث أوقف ملثمون من عناصر أمن السلطة سيارته في أثناء عودته إلى المنزل برفقة زوجته الحامل واعتقلوه، وتركوها بالسيارة وحدها في منتصف الطريق".

وتلفت هريش إلى أنّ التعذيب الممارس في سجون السلطة أصبح يفوق جيش الاحتلال بشهادة المعتقلين أنفسهم الذين جربوا الاعتقال لدى الطرفين.

وترى أنّ استمرار تصاعد الاعتقال يُشكّل خطرًا على الأمن المجتمعي فلم يعد المواطن الفلسطيني يدرك من أيّ جهة سيُعتقل، ويتم اقتحام بيته في الليل، وما يصاحبه من رعب الأطفال والنساء في أثناء الاقتحام الذي يتخلله في كثير من الأحيان إطلاق قنابل غاز أو رصاص.

وتُصعّد السلطة حملة اعتقالاتها السياسية، فقد سُجلت نحو 1200 حالة اعتقال خلال العام الماضي، منها 200 حالة اعتقال عشية الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاقة حركة حماس.