لم تكد حكومة الاحتلال تتسلم مهامها فور أدائها اليمين الدستورية حتى بدأت تواجه الصداع الذي حذَّرها منه كثير من الأوساط السياسية والدبلوماسية، المتمثل بالضغط الإقليمي والدولي، وحالة الرفض المتنامية لها ولممارساتها العنصرية، في ضوء استسلامها الكاسح لمطالب الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، ما يعني وضع مزيد من العصيّ في العلاقات الخارجية لدولة الاحتلال، وكأن الحكومة الجديدة تختار طواعية تفكيك كل المحركات التي أوصلت الدولة لما هي عليه اليوم، ما سيسفر بالضرورة عن دفعها الثمن عاجلًا أم آجلًا.
قد لا يتعلق الأمر باليمين واليسار، أو الرأي في توسيع المستوطنات، والموقف من السلطة الفلسطينية، أو هوية الدولة بين الدينية والعلمانية، بل يتعلق بمستقبل العلوم والطب والتكنولوجيا وأنظمة الأسلحة والذكاء، وهي قضايا باتت تشكل لدولة الاحتلال إجابة عن تحديات أمنها الوجودي، وتسمح لها بالوجود في هذه المنطقة الصعبة التي ترفضها من ألفها إلى يائها، حتى لو طبَّعت مع هذه الدولة أو تلك، لكنها تعلم أكثر من سواها أنه تطبيع مع قصور الحكام والأمراء والملوك، وليس مع شعوبهم.
هذا يعني أن تلك المجالات التي تعدُّ أهم مصادر القوة لدولة الاحتلال، قد تواجه في قادم الأيام تضرّرًا لافتًا بسبب سياسات الحكومة الجديدة، لأنها اختارت أن تنحِّي جانبًا كل المحركات التي أوصلت الدولة إلى هذه القدرة على مواجهة التحديات التي تواجهها في هذه البقعة الأكثر توترًا في العالم، وكأن هذه الحكومة اختارت خيار الضعف المستقبلي، حتى أن بعض الإسرائيليين سارع مبكّرًا إلى وصفها بأنها "حكومة الضعف"، على الرغم من الضجيج العالي الذي يرافقها، والتهديدات المتصاعدة التي تزامنت مع تشكيلها، وإعلانها.
ليس سرًّا أن دولة الاحتلال من أكثر الدول تطورًا في العالم في مجالات العلوم والزراعة والتكنولوجيا، ومؤسساتها الأكاديمية تعدُّ رائدة بين نظيراتها العالمية، ويحتل اقتصادها موقع الصدارة بوصوله إلى ارتفاعات لافتة في السنوات الأخيرة، حتى بالمقارنة مع الدول المتقدمة، ولعله أساس عملية التقارب مع الدول العربية، ما يعني أن الأسباب السياسية قد لا تتقدم على نظيرتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية باتساع رقعة تأثير الاحتلال، ولا سيما الأقمار الصناعية والصواريخ الإلكترونية المتقدمة.
في المقابل فإن الاتفاقيَّات الائتلافية التي تعتمد عليها الحكومة الجديدة بنظر كثير من الإسرائيليين، تعدُّ ضمانًا أكيدًا لانحدار قوة دولة الاحتلال، لأنه عندما لا يتعلم أكثر من ربع طلابها المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية، وتزداد مخصصات الفقراء، وبدالات تكملة الدخل، وطلبات الإعفاءات الضريبية، وغير ذلك، فإن النتيجة المباشرة لكل هذه الخطوات هي خسارة إيرادات الدولة بعشرات المليارات المخصصة لتمويل تلك القطاعات، وبدلًا من تطوير الاقتصاد للأمام، فإنها ستضع مزيدًا من الأثقال عليه، وهذا أول الثمن، وليس آخره.