فلسطين أون لاين

وقائي السلطة اعتقل والده المحرر منذ 14 يومًا

تقرير الطفل "مروان جواد".. مرَّ أسبوعان ولم يقرع والده باب البيت

...
تصاعد حالات الاعتقال السياسي في الضفة (أرشيف)
رام الله-غزة/ يحيى اليعقوبي:

مع أي قرع لباب البيت يهرع مروان (3 سنوات) نحوه راكضًا، ينادي على والده ببراءة "بابا"، معتقدًا أنه عاد إلى البيت، ثم يتفاجأ بدخول أحد إخوته، تكرر المشهد عدة مرات على مدار أسبوعين، لكن في كل مرة يستدير الطفل نحو عائلته بملامح حزينة منتظرًا عودة والده محمد جواد من بلدة برقين جنوب غرب جنين، المعتقل لدى وقائي السلطة منذ 14 يومًا.

ولا يكفُّ الطفل عن طرحه سؤاله المتكرر: "وين بابا؟"، وعلى الرغم من سهولة الجواب ووضوحه، إلا أن والدته لا تملك إجابة يستطيع أن يفهمها أو يستوعبها، إضافة إلى ذلك لا تعرف أي معلومة عنه، باستثناء وجوده داخل معتقلات وقائي السلطة برام الله حاليًا.

اقرأ أيضاً: مراقبون: الاعتقال السياسي في الضفة يشتد كلما نما العمل المقاوم

مع كل صباح يوم جديد يترك شقيقه الأكبر نصر الطالب في الثانوية العامة "بالفرع العلمي" كتبه الدراسية مدة ساعتين ومثلهما في المساء، ويذهب إلى حظيرة الأغنام بجوار منزله التي يملكها والده لوضع العلف، وحلبها، ورعايتها، لتوفير دخلٍ يعيل به أسرته، إذ يعتقل جهاز وقائي السلطة والده الأسير المحرر منذ 14 يومًا.

وجد الشاب الصغير الذي لا يعرف شيئًا عن تجارة ورعاية الأغنام وهي مهنة والده نفسه أمام أعباء عديدة تفوق طاقته، بدءًا من: الدراسة، ورعاية الأغنام، وتلبية متطلبات البيت الأساسية، وأصبح المُعيل الأول للعائلة في وقتٍ يفترض أن يصب كل انشغالاته في دراسته، ولديه ثلاثة أشقاء، أصغرهم مروان (3 سنوات).

في ساعةٍ متأخرة من الليل قبل أسبوعين استيقظ نصر وأخوته على وقع طرقات من ملثمين جاؤوا بست سيارات لاعتقال والده، وتفتيش البيت، لاحقت الأب دموع طفله الصغير مروان، الذي لم يستوعب تفاصيل الحدث.

بصوت ممزوج بمرارة الواقع المفروض عليه، يقول نصر جواد لصحيفة "فلسطين": "عندما اعتقلوا أبي، وعلى الرغم من أنني لا أعرف شيئًا عن تجارة الأغنام، وجدت أمامي مسؤولية رعاية 20 رأسَ غنمٍ، وهذا ما أثَّر على دراستي، فيوميا أقضي أكثر من ساعتين لتفقدهم، ووضع الأعلاف، وإنتاج الحليب لبيعه وتوفير مصدر دخل لأخوتي".

وعلى الرغم من صعوبة الأمر إلا أنه يُبدي تفهمه للظروف التي تواجهها العائلة مجبرةً: "إيش بده يعمل الواحد؟ مضطر".

إرباك جدول

وضع نصر المتفوق بدراسته على مدار السنوات الماضية جدولًا دراسيًا يتناسب مع زخم المنهاج خاصة بالمواد العلمية، التي تحتاج قضاء ساعات طويلة أمام الكتب الدراسية، وحضور دروس "خصوصية"، لكنه يُقر أنه تعرَّض للإرباك: "أصبحت لا أعرف ماذا أفعل؟، فهناك دراسة تنتظرني، ورعاية الأغنام، ومتطلبات العائلة الكثيرة، وكل هذا يسرق من وقت البرنامج".

إضافة إلى عدم معرفة العائلة مكان اعتقاله، وصلتها معلومات أخرى بتمديد اعتقاله لـ 15 يومًا لدى نيابة جنين، وتحويله لسجن الوقائي في بلدة بيتونيا قضاء رام الله، وهذا "كله يحدث وما زال مروان ينتظر أن يعود والده ويقرع باب البيت"، وفق ما قاله نصر.

اعتُقل محمد جواد لدى الاحتلال مدة ثلاث سنوات، وقبل عام استدعاه الاحتلال واعتقله مدة شهر، وخضع لتحقيق مدة شهر قبل أن يُفرج عنه، يستذكر شقيقه لحظة اعتقاله، وكانت بطريقة "دموية" أرعبت أطفال شقيقه، وعاشوا لحظات صعبة ومروعة.

يروي شقيقه لصحيفة "فلسطين": "قامت قوات كبيرة من جيش الاحتلال بمحاصرة المنزل، وبدأت بإطلاق النار المباشر عليه، وحطَّموا الأثاث، وأحرقوا جزءًا منه بالقنابل الحارقة التي فجروها في المنزل".

باب دوار

وفي عام 2014 اعتُقل لدى جهاز وقائي السلطة مدة ستة أشهر، وكانت هذه أطول مدة يقضيها في معتقلات السلطة، بحسب شقيقه.

وقبل أسبوعين استدعى جهاز مخابرات السلطة في جنين محمد جواد، وأمضى ساعات قبل أن يُفرج عنه، لكن شقيقه تفاجأ بمداهمة المنزل مساء اليوم ذاته واعتقاله، ما يؤكد عدم وجود تهمة، وإنما "ملاحقة المحررين، واستهداف أي روح وطنية".

اقرأ أيضاً: خريشة يدعو إلى وقف الاعتقال السياسي بالضفة والتوحد لمواجهة جرائم الاحتلال

تخرج كلمات شقيقه غاضبة على استمرار اعتقاله: "أخي محرر، اعتقلوه وتركوا عائلته بلا مُعيل، فما ذنب هؤلاء الأطفال؟، إضافة إلى أنه لا يوجد زيارات لنطمئن على أحواله، ومعرفة ما حصل معه، فبأي حق يستمر الغياب مدة أسبوعين، وتغيب كل المعلومات عنه؟، خاصة أنه لم يفعل شيئًا وليس لديه أي تهمة، وهو مُنشغل بتجارة الأغنام"، مطالبًا بالإفراج عنه لأنه لم يرتكب أي جريمة أو مخالفة تستوجب الاعتقال.

ومحمد جواد شقيق المحرر أحمد المُبعد إلى قطاع غزة بعد صفقة "وفاء الأحرار"، وهو شقيق الأسير مصطفى جواد المعتقل إداريًا لدى الاحتلال.

كثّفت أجهزة السلطة مؤخرًا من حملة الاعتقالات السياسية ضد النشطاء وطلاب الجامعات ومحررين في محافظات الضفة الغربية المحتلة، على خلفية انتماءاتهم السياسية وحرية الرأي والتعبير وممارسة النشاط النقابي، وبلغ عدد المعتقلين السياسيين العام الماضي 1200 حالة اعتقال.

واستنكرت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، الجمعة الماضية، جريمة الاعتقال السياسي، التي نفّذتها أجهزة السلطة في الضفة الغربية بحق 8 من المحررين من سجون الاحتلال في بلدة برقين.