فلسطين أون لاين

طلاب جامعات في مرمى النار

أن تكون طالبًا جامعيًا في إحدى جامعات الضفة وحاملًا رسالة وهمًّا وطنيًا يعني أن تعيش سنوات دراسية مضنية، وطويلة، ومنزوعة الاستقرار، لأنك تكون عندها الهدف الأساسي لملاحقات واعتقالات الاحتلال وأجهزة السلطة الأمنية، والنتيجة ليست فقط تأخر مسيرتك الأكاديمية واحتياجك أعوامًا عديدة لإنهاء المرحلة الجامعية بسبب الاعتقالات التي يتناوب عليها الجانبان، إنما انتفاء ظروف الأمان والاستقرار، وما يتصل بهما من مقتضيات التحصيل الدراسي في الجامعات.

مؤخرا اعتقل جيش الاحتلال عددًا من طلاب الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح، وهم الذين كانوا قبل أسابيع يعانون من ملاحقة أجهزة السلطة لهم، وهذا المشهد جزء من كلّ، ومثال على ما جرى في جميع جامعات الضفة التي شهدت أو تشهد عملًا نقابيًا أو وطنيًا، حتى لو كان بمستوى إحياء ذكرى انطلاقة حركة حماس في الجامعات قبل نحو أسبوعين، وما رافقه من استنفار عالٍ لأجهزة السلطة لملاحقة واعتقال شباب الجامعات وتعذيبهم وتهديدهم، من شمال الضفة حتى جنوبها، حيث كانوا المستهدفين الأساسيين بتلك الحملة المسعورة.

ربما يبدو مستغربًا ذلك الوضع الذي يتعرض فيه طالب جامعي للتعذيب على خلفية نشاط نقابي أو وطني، لكنّ هذا ما يحصل في مقرات الأجهزة الأمنية، مضافًا إليه تلفيق اتهامات مكذوبة للطلاب المعتقلين كحيازة السلاح ونحو ذلك، رغم كونهم معتقلين على خلفية رأيهم أو نشاطهم الوطني داخل الجامعات، أما تفاصيل التعذيب الذي تعرض له الطلبة فتكشف عن مستوى غير متخيّل من الحقد الذي هيمن على عقول عناصر وضباط الأجهزة الأمنية، وجعلهم يستسيغون انتهاك أجساد الشباب والتفنن في تعذيبهم وإهانتهم والحط من كرامتهم، رغم أن غالبية المعتقلين أسرى سابقون لدى الاحتلال، أو مشاريع لأسرى لاحقين، وتنتظرهم زنازين تحقيق الشاباك الصهيوني فور تحررهم من سجون السلطة. ومع ذلك يبدو أن التعبئة المسمومة بالحقد والكراهية التي يتلقاها عناصر هذه الأجهزة أعظم أثرًا من أن تستوقف بعضهم ليتساءلوا عن معنى ومغزى أدوارهم القذرة هذه، التي تتحيّد لأجلها كل قيمة وطنية أو خلق سويّ، ولا يعودون يبالون بكونهم يخدمون الاحتلال مباشرة ويطبقون سياساته ذاتها.

حقيقة أن دور أجهزة السلطة يقول إنها ذراع أمنية للاحتلال ما عادت بحاجة لأدلة إضافية، وعناصرها على كل حال يدركون هذه الحقيقة جيدًا حتى وهم يلوكون الشعارات الصدئة القائلة بأنهم يحمون (المشروع الوطني)، لكن إن كان قادتهم ينجحون في تزييف وعيهم وحقنهم بجرعات الافتراء حين يتصل الأمر بملاحقة المقاومين المسلحين، عبر الادعاء بأنهم يخططون للسيطرة على الضفة، ورغم ما في هذه الفرية من تهتك وعوار كون المستهدفين لا يوجهون سلاحهم لعناصر السلطة، مع ذلك، ما هي الحجة التي تسوّغ لهم تعذيب طلاب جامعيين بسبب نشاط لا يتجاوز أسوار جامعاتهم؟! وبأي مبرر يتم ضرب علاقاتهم الأسرية عبر تحريض ذويهم عليهم وتهديدهم وإبلاغ آبائهم بمعلومات مكذوبة حول نشاطهم؟!

حتى لو كانت هذه أجهزة وطنية وليست والغة في التنسيق الأمني وحماية ظهر عدوّها، فإن ارتعادها من نشاط طلاب جامعيين مؤشر على إفلاسها ووضاعة حالها، وغياب أي ضابط أخلاقي أو وطني أو قانوني لسلوكها، ومما يغريها بمزيد من التغوّل على حقوق الطلبة وحريتهم صمت إدارات الجامعات المختلفة، وعجزها عن حماية طلبتها، ولو ببيانات الإدانة الكلامية، ومتابعة أوضاعهم قانونيا، وصون حقوقهم أكاديميا.

ولو كان الحال مختلفا، لما اضطر عدد من طلاب جامعة بيرزيت للاعتصام المفتوح (الذي انتهى أمس) داخل الجامعة في البرد لاتقاء الاعتقال لدى أجهزة السلطة، رغم كون بعضهم مطلوبًا للاعتقال لدى الاحتلال، وقد كانت هناك خشية من اقتحام الأخير للجامعة، لا سيما وأن الأمر سبق أن حدث، وأصيب بعض الطلبة برصاص الاحتلال ثم جرى اعتقالهم.

سياج الطلبة الجامعيين الأول ينبغي أن يكون إدارة جامعاتهم ثم جموع الطلبة، ثم عموم المجتمع بمستوياته ومؤسساته كلها، وجميع هؤلاء مطالبون بتضامن واسع مع الملاحقين، لأن المستهدف هنا هم طليعة الطلبة نشاطًا والتزامًا وطنيا، وسعيًا في خدمة زملائهم الطلبة والدفاع عن حقوقهم، وهم منتخبون لكي يكونوا في مجلس الطلبة، فكيف يُقبل بأن يصبحوا في دائرة الاستهداف والملاحقة والأولى؟ وكل جريمتهم نشاطهم النقابي واجتهادهم في الذود عن حقوق زملائهم، وأولها الحق في التمتع ببيئة جامعية آمنة، لا تظللها حراب القمع والإقصاء، ولا يهيمن عليها الخوف والخنوع.

وإن كان لبعض الجامعات وخصوصًا جامعة بيرزيت من سمات تتميّز بها على صعيد حرية العمل النقابي، وقوة حركتها الطلابية، وما يترتب على ذلك من أجواء تشجّع كثيرًا من الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها، أملًا في بناء شخصياتهم في بيئة متميزة، فإن ذلك كله ما كان ليحصل لولا تضحيات هذا النفر الطليعي من الطلبة الذين اعتصموا في البرد وواجهوا الاعتقال وتحدوا الملاحقة، وضحوا بوقتهم وأعمارهم وحظوظهم من الراحة والاستقرار، لكي تظل جامعتهم منارة للأحرار، وواحة للحرية.