من الخطوط العريضة لحكومة نتنياهو بن غفير الفاشية المتطرفة أمران: الأول مواجهة إيران، والثاني التطبيع مع المملكة العربية السعودية. وسنقف في هذا المقال عند الأمر الثاني "التطبيع"، فنقول: يرى نتنياهو أن المملكة العربية السعودية قائدة العالم الإسلامي السني، وأن التطبيع معها يفتح لـ(إسرائيل) أبواب التطبيع مع بقية دول العالم الإسلامي، وأن هذا التطبيع من شأنه أن ينهي المطالب الفلسطينية التي يرفضها نتنياهو. أي إن نتنياهو يخطط لتوظيف التطبيع ورقة ضغط على الفلسطينيين، سواء كانوا في السلطة أو في فصائل المقاومة، ثم تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية في المملكة وغيرها.
ما يغري نتنياهو في تبني هذه السياسة التي يبشر الإسرائيليين بقرب نجاحها أمران أيضًا: الأول التسهيلات التي قدمتها المملكة للطيران المدني الإسرائيلي بالمرور في أجواء المملكة باتجاه المشرق، وكذا اتفاقية أبراهام التي عقدتها (إسرائيل) مع الإمارات والبحرين، وهي اتفاقية ما كان لها أن تُبرم دون موافقة سعودية.
والأمر الثاني حرص البيت الأبيض على دعم مطالب (إسرائيل) في توقيع اتفاق تطبيع مع المملكة في أسرع وقت ممكن، وقد تستجيب أميركا لبعض المطالب السعودية لتسهيل إجراءات التطبيع، وجعل التطبيع مغريا للمملكة.
إن سياسة نتنياهو هذه مسكونة بقدر ما من الأماني والخيال، وبجهلٍ بطبيعة الحكم في المملكة السعودية، فالمملكة في عهد الملك سلمان، وولي عهده محمد، ليست لديها رغبة بالمغامرة في هذا الاتجاه، بصفة أن المملكة قائدة لدول العالم السني، وثمة دول سنية ترفض التطبيع، وتنتقد الدول المطبعة نقدا علنيا بلغة شديدة اللهجة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن المملكة هي صاحبة المبادرة العربية، التي تشترط الانسحاب الإسرائيلي، والدولة الفلسطينية في مقابل التطبيع. ومن طرح هذه المبادرة التي حظيت بإجماع جامعة الدول العربية لن يغامر بإلقائها في سلة المهملات مقابل مكاسب صغيرة غيابها لا يضر، ووجودها لا ينفع كثيرا. والمملكة من ناحية ثالثة ترفض الاستيطان، وتهويد القدس، والضم، وترفض اقتحامات المسجد الأقصى، وكانت من الدول المبادرة لانتقاد حكومة نتنياهو لاقتحام بن غفير وزير الأمن للمسجد الأقصى الثلاثاء ٢/١/٢٠٢٣م.
إن للمملكة سياسة خارجية تتميّز بالأناة والصبر وطول النفس، وهي تحذر السياسات الإسرائيلية حذرا كبيرا، وفي الوقت نفسه تعيد تقييم علاقاتها مع أميركا، بغرض توسيع علاقاتها مع الصين وروسيا، فضلا عن تنويع اقتصادها، والاتجاه نحو الصناعات العملاقة.
إن هذه السياسة تقول لنا: إن السعودية لن تغامر بالتطبيع قبل حلّ المشكلة الفلسطينية، وإن نتنياهو يعيش الأماني المتعجلة، وهنا يجدر بالفلسطينيين تعزيز سياسة المملكة بالبعد عن التطبيع، والتمسك بشروط المبادرة العربية، والعمل مع المملكة في المساحات المشتركة، وهي كثيرة، وترك الوقوف عند الجزء الفارغ من الإناء.