في مشهد سبقته عملية خداع وتضليل شاركت فيه وسائل إعلام عبرية، اقتحم وزير ما يسمى "الأمن القومي" في حكومة المستوطنين الفاشية، إيتمار بن غفير، صباح أمس باحات المسجد الأقصى تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال، كأول عملية اقتحام له بصفته الرسمية.
ساهمت عملية التضليل، وفق باحثين مقدسيين تحدثوا لصحيفة "فلسطين"، في خلط الأوراق حول الاحتياطات الشعبية الفلسطينية للتصدي لابن غفير الذي حاول إيصال رسائل أنه لا يخشى تهديدات المقاومة.
لكنّ توقيت وشكل الاقتحام كان الهدف منه ضمان عدم حدوث مواجهة، إضافة إلى جس نبض الشارع الفلسطيني، في إطار سعي حكومة الاحتلال للانتقال بخطوة خطيرة نحو تكريس هذا النوع من الاقتحام الذي أحدث انتفاضة شعبية عام 2000 حينما اقتحم أرئيل شارون زعيم حزب "الليكود" وقتئذ المسجد الأقصى، مما يتطلب أن يكون التحرك الجماهيري في مقدمة خطوات الرد، وفق الباحثين ذاتهم.
في الإطار، يحدد الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص معادلة ردع تتكون من 5 عناصر: الرباط، والفعل الشعبي، وتنفيذ عمليات المبادرة الفردية، والتفاعل الشعبي الخارجي، وفعل المقاومة في غزة.
ويقول ابحيص لصحيفة "فلسطين": "هناك عنصر خامس يدخل ضمن إطار تلك المعادلة وهو المقاومة المنظمة في حواضن محدودة في الضفة التي أفلتت من قبضة التنسيق الأمني كما في كتيبة جنين وعرين الأسود".
ويعتقد أنه يجب خوض المعركة بالعناصر الخمسة معًا، لأنها بالكاد تكفي لخوض هذه المعركة؛ ومحاولة اختزالها وتسطيحها في عنصر أو عنصرين يهدي الاحتلال مكاسب مجانية ويجعل الشعب الفلسطيني أضعف".
إضافة إلى ذلك يلفت الانتباه إلى أنّ الاحتلال يتجه نحو عدوان واسع على الأقصى بين 6 و13 من شهر إبريل/ نيسان 2023، الموافق للأسبوع الثالث من شهر رمضان القادم.
وأضاف: "إن كنا نريد أن نبني على ما تحقق في 5 هبات ناجحة مضت، وعلى معركة سيف القدس، فلا بد من أن نتمسك بمكونات المعادلة الخمسة، وأن نستثمر في الحالة الشعبية لأنها الهواء الذي تتنفسه بقية عناصر المعادلة".
تعتمد المعادلة، وفق ابحيص، على أن يقوم الشعب الفلسطيني بواجبه تجاه الأقصى بغض النظر عن قرارات الاحتلال وألاعيب إعلامه.
حالة ضبابية
وبحسب الباحث المقدسي ناصر الهدمي، فإنّ الهدف من حالة الضبابية التي سبقت اقتحام بن غفير المسجد الأقصى، هو عدم إشعال مواجهة، وأن يمر الاقتحام دون إثارة مواجهة، فقد جرى الاقتحام في ساعة مبكرة حيث يكون عدد قليل من المقدسيين والمرابطين في ساحة المسجد.
ويصف الهدمي في حديث لصحيفة "فلسطين"، الاقتحام بـ"الاستعراضي" والهادف لإرسال رسائل أن "بن غفير" لا يأبه بتهديدات المقاومة، وأنه صاحب السيادة وأنّ حكومة الاحتلال تدعمه بالنهج الذي يسير عليه بصفته وزير "الأمن القومي"، ويثبت لناخبيه أنه قادر على تنفيذ وعوده الانتخابية، والتي تضمنت إحداها اقتحام الأقصى.
ويتوقع الهدمي أن تشهد الأيام المقبلة مواجهة بسبب ما قام به "بن غفير" لكونه سيُكرّر العمل والمحاولة، وما جرى يهدف لجس نبض الشارع الفلسطيني وتهديدات المقاومة، وبالتالي إن كان الرد الفلسطيني باهتًا سيكون حافزًا له على تكرار المحاولة.
لكنّ التجربة أثبتت أنّ وِحدة قوى الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده، كانت الأقدر على لجم سياسات الاحتلال العنصرية في الاعتداء على المقدسات، فبات مطلوبًا تكرار الإستراتيجية وترسيخها والاعتماد على أسلوب موحد في مجابهة الاحتلال، وفق الهدمي.
ويرى أنّ قضية رد الشارع المقدسي مرتبطة بعوامل تحكم الجماهير، كضغط حكومة الاحتلال على الحياة اليومية، وانعدام الأفق السياسي، وعدم وجود قيادة عمودية تُوجّه الجماهير، وإحساس الشارع المقدسي بوجود داعم ومقاومة تسنده في الضفة الغربية وقطاع غزة.
رسائل تحدٍ
ويرى المختص في شؤون القدس شعيب أبو سنينة، أنّ "بن غفير" أراد أن يُثبت لمناصريه أنه يسعى جِديًّا لتحقيق حلمهم ببناء ما يسمى "الهيكل" المزعوم، وبالتالي كان الاقتحام وإن استمرت مدته 13 دقيقة نوعًا من التحدي.
وقال أبو سنينة لصحيفة "فلسطين": إنّ الإعلام الإسرائيلي اشترك في ممارسة الخديعة وخلط الأوراق، وكان مطلوبًا من الشعب الفلسطيني الاحتياط أكثر عبر التعبئة والرباط والحشد الجيد للرد على اقتحام وتصرفات "بن غفير"، لافتًا إلى أنّ بعض وسائل الإعلام العربية ساهمت في تخدير الحالة الشعبية وتحليل الأمور بطريقة خاطئة أضعفت حالة الرد.
ويشدد على أنّ الحشد والرباط الحقيقي بجانب العمليات الفردية، تساهم مجتمعة في مزيد من الحماية للقدس والمسجد الأقصى، إضافة إلى تحشيد الجماهير العربية والإسلامية لتشكيل حالة واسعة من الضغط، وفي الإطار تكون المقاومة الفلسطينية على أتم الجهوزية.