بعض تصريحات السياسيين حول اقتحام ابن غفير وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو الجديدة للمسجد الأقصى أمس الثلاثاء ٣ يناير تنمّ عن جهل، أو قل عن غفلة سياسية، أو عن استغفال سياسي متعمد للغير، هذه الأصوات الغافلة أو المستغفلة للغير جاءت من بريطانيا، ومن البيت الأبيض، حيث دعا هؤلاء نتنياهو للمحافظة على وضع المقدسات في القدس وعدم القيام بتصرفات أحادية.
هذه الأصوات التي تبدي نقدًا لاقتحام ابن غفير للمسجد الأقصى تخاطب نتنياهو لمنع هذه الاقتحامات، لا سيما أن ابن غفير وزير في الحكومة، أي في موقع مسئولية، هم يحاولون التفريق بين نتنياهو وابن غفير، بينما نتنياهو شخصيًّا غارق فيما يفعله ابن غفير وجماعات المستوطنين لأذنيه.
إن نتنياهو الذي صنع حكومة متطرفين وفاشيين وعنصريين، ولم يلتفت لانتقادات نصف مجتمع (إسرائيل) الذي حذره من العواقب الوخيمة لانصياعه لابتزازات ابن غفير وسموتريتش، هو في الحقيقة والأيدولوجيا الوجه الدبلوماسي لأفكار ابن غفير الغالية في التطرف. ابن غفير يعبّر عما يريده ويؤمن به علنًا، ولا يفكر بالمجتمع الدولي وانتقادات اليسار الإسرائيلي، ونتنياهو يفعل ما يريده ابن غفير ولكن بتدرج، ومناورة، وخداع دبلوماسي للداخل والخارج.
ابن غفير وزير الأمن الداخلي تعمّد هذا الاقتحام العاجل أمس الثلاثاء ليقول للإسرائيليين وللعالم إننا في الحكومة نفعل ما نقوله، ولا نخاف أحدا، ولا نجامل أحدا، وسنواصل ذلك بكثرة في الشهور القادمة، وعليكم تحمُّل ذلك والاعتياد عليه، القدس أرضنا، والضفة أرض (إسرائيل)، وهي كما قال نتنياهو: "حق حصري لـ(ما يسمى) الشعب اليهودي".
انتقادات البيت الأبيض وبريطانيا لن تغيّر من الواقع الذي يفرضه ابن غفير ونتنياهو على القدس والضفة بقوة الاحتلال. وانتقادات الإمارات، والأردن، والسلطة، والفصائل، لا تملك فعل التغيير، وإن كانت تملك القدرة على التغيير.
يجدر بالفلسطينيين والعرب أن يفكروا بآليات عمل مجدية، وقادرة على جباية ثمن من حكومة نتنياهو وابن غفير، ودون الأعمال فإن الأقوال لن تردع، ولن تحمي المسجد الأقصى، وسيتقدم ابن غفير وشركاؤه مع الزمن خطوات أخرى نحو غاية اقتسام المسجد الأقصى، وفرض سيطرة (إسرائيل) عليه، وإخراج الرعاية الهاشمية من المعادلة.
انتقدوا كما تشاءون، ولكن تذكروا أنكم بحاجة إلى أفعال ذات مغزى لحماية الأقصى والضفة. وتذكروا أنكم تملكون قوة التغيير، ولكن ثمة غياب لفعل التغيير، لأسباب تعرفونها، أو لأسباب تتذرعون بها. الوقت المتبقي قليل أمامكم، والزمن في صالحكم لو صدقتم مع أنفسكم، ومع الأقصى قبلة نبيكم الأولى.