وافقت الثلاثاء الماضي الذكرى الرابعة عشرة لحرب الفرقان التي مثلت بداية الانكسار للعربدة والغرور العسكري الصهيوني، وارتكب الاحتلال فيها جرائم حرب وجرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية وفق تصنيف المعايير الحقوقية والقوانين الدولية والمواثيق الأممية.
انقشع غبار العدوان عن صمود مجيد لشعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وخابت آمال الاحتلال وقادته السياسيين والعسكريين والأمنيين، الذين خططوا واستعدوا وتجهزوا سنوات طويلة، لتنفيذ هذا العدوان الهمجي والجرائم الممنهجة بحق شعبنا ومقدراتنا الوطنية، التي قتلت وجرحت مئات الأطفال والنساء والشيوخ، ودمرت المؤسسات الرسمية والشعبية، والشوارع، والبنية التحتية، وشبكات المياه والكهرباء، والصرف الصحي، إذ فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة المتمثلة في إسقاط حكومة حماس، وضرب المقاومة الباسلة وتفكيك بنيتها التحتية، وتحرير الجندي الصهيوني الأسير آنذاك "جلعاد شاليط"، وكسر إرادة شعبنا.
ومنذ حرب الفرقان (2008-2009) تعاقبت عدة حروب على شعبنا ومقاومتنا، منها حرب حجارة السجيل عام 2012، وحرب العصف المأكول عام 2014، ومعركة سيف القدس عام 2021، وما تخللها من جولات تصعيد وعدوان انتصرت فيها المقاومة وانهزم الاحتلال، ومن هنا فإن العبرة الأهم التي يجب على قادة الاحتلال استخلاصها من وراء الحروب وأشكال العدوان بحق شعبنا ومقاومتنا، تكمن في استحالة كسر إرادة شعبنا ومقاومتنا وحملهما على التنازل عن حقوقهما وثوابتهما الوطنية، أو دفعهما للتنكّب عن مسار المقاومة ومشروع التحرر الوطني مهما بلغت الآلام والمعاناة والتضحيات.
وجاءت معركة سيف القدس في مايو 2021 لتبدد آخر أمل صهيوني في النيل من قوة وجسارة شعبنا ومقاومته الباسلة، عندما اعتقد الاحتلال أنه يستطيع العبث في القدس والمسجد الأقصى كما يشاء، وأنه قادر على ضرب المقاومة ووحداتها المقاتلة وبنيتها العسكرية، فكانت النتيجة خسارة مذلة، وانتصارًا فلسطينيًا كبيرًا، وفرض معادلة عسكرية وميدانية جديدة لا تزال راسخة حتى اليوم.
ولا ريب أن مناورة الركن الشديد 3 التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في إطار غرفة العمليات المشتركة يوم الأربعاء الماضي بما حملته من رسائل في جميع الاتجاهات، تمثل برهانًا ساطعًا على أن يد الاحتلال باتت هي السفلى عسكريا، وأن يد المقاومة هي العليا.
الرسالة الأولى للمناورة كانت موجهة للعدو الصهيوني، وأنبأته عن مدى استعدادها وجهوزيتها للدفاع عن شعبها، والرد على أي مغامرة أو حماقة صهيونية بحق شعبنا ومقاومتنا في الأيام أو المرحلة القادمة، وأكدت له عن فداحة الثمن الذي سيدفعه حالة تجاوزه الخطوط الحمراء وشنّ أي عدوان مستقبلًا.
أما الرسالة الثانية فهي تؤكد لشعبنا الفلسطيني وشرائحه المختلفة وفصائله الوطنية والإسلامية أولوية الوحدة الوطنية كإستراتيجية ثابتة لا تقبل النقض أو التأجيل، وتبرهن على وحدة الفعل والحال والقرار المقاوم الذي يتجسد بأبهى صوره وتجلياته في الميدان، تفاهمًا وتشاورًا وتنسيقًا، ومدى النضج الكبير الذي بلغته قوى المقاومة في إطار غرفة العمليات المشتركة، وتمنح شعبنا نموذجًا رائعًا من العمل الوطني المقاوم، القادر على حماية شعبنا، وإنجاز مشروع التحرير والعودة بإذن الله.
ووجهت المناورة رسالتها الثالثة إلى أهلنا في القدس والضفة الغربية أن المقاومة معهم، وإلى جانبهم، وأنها لن تتخلى عنهم، وأنها ستدافع عنهم، وستذود عن حياض عن القدس والمسجد الأقصى بكل ما أوتيت من إمكانات وقوة.
واختتمت المناورة برسالتها الرابعة المُدوية المتعلقة بملف الأسرى، إذ جددت العهد لأسرانا الأبطال أنها لن تنساهم وأنهم سيرون الحرية قريبًا، وأكدت للاحتلال أن مماطلته في ملف صفقة التبادل ستكون وبالًا عليه، وأنها تستعد لأسر المزيد من الجنود الصهاينة، لإجباره على الرضوخ لإرادة المقاومة والقبول بصفقة تبادل مشرفة.
في المقابل، آن الأوان كي تضطلع الدول والقوى والأحزاب العربية والإسلامية، والمؤسسات الدولية، والمنظمات الأممية وأحرار العالم، بمسؤولياتهم التاريخية والقانونية والأخلاقية والإنسانية لجهة مواجهة آثار الحروب الشرسة، وأشكال العدوان التي دمرت الأخضر واليابس على أرضنا الفلسطينية، ودعم وإسناد جهود محكمة الجنايات الدولية في سعيها تجاه فتح تحقيق رسمي في جرائم الاحتلال، وتقديم قادته المجرمين إلى منصات العدالة الدولية كمجرمي حرب.
في الذكرى الرابعة عشر لحرب الفرقان نتوجه بالتحية إلى أرواح الشهداء، وعلى رأسهم الشهيد النائب القائد سعيد صيام وزير الداخلية السابق، والشهيد اللواء توفيق جبر قائد الشرطة الفلسطينية السابق، والشهيد القائد إسماعيل الجعبري، والشهيد القائد الداعية نزار ريان، وجميع شهداء شعبنا، وإلى الجرحى، والمتضررين، وأصحاب البيوت المهدمة، مؤكدين أنهم يعبدون لنا طريق النصر، ويمثلون الوقود الدافع لمسيرة التحرير التي ستتكلل بالخلاص من الاحتلال بإذن الله.
وختامًا.. إن حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخ الاحتلال ستبوء بالفشل والسقوط على صخرة صمود شعبنا ومقاومته الباسلة، وإننا إذ نعاهد الله ثم أبناء شعبنا على أن نبقى الأوفياء لدماء الشهداء والجرحى والمكلومين والمعذبين، فإننا نؤكد أن هشاشة كيان الاحتلال التي تجلت مظاهره في انتصار المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس وثباتها في ميدان المواجهة، ومن قبلها حرب الفرقان، وحرب حجارة السجيل، وحرب العصف المأكول، ونجاحها في تحقيق إنجازات إستراتيجية على صعيد القضية الفلسطينية، تثبت أن المقاومة الفلسطينية هي المدافع الأول عن أبناء الشعب الفلسطيني، وأنها الممثل الحقيقي للقضية الفلسطينية، وأنها تستعد بكل ثقلها وإمكانياتها لمعركة النصر والتحرير المنشودة بإذن الله.
"ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا"
بقلم د. أحمد بحر
رئيس المجلس التشريعي بالإنابة