لكل أولئك الغارقين في العشق الهائمين على وجوههم خلف رضا الحبيب, البائسين, المهمومين, الحائرين, الذين يهينون أنفسهم فيهونوا ويهنوا ويحزنوا ويندموا. وإلى أولئك الذين يلعنون حظهم إذ لم يهيموا وراء حبيب يشغفهم حبا بل وقعوا في شرك الزيجات التقليدية ورضخوا لقرارات وخيارات غيرهم، فيهدموا بيوتهم ويظلموا زوجاتهم ويشردوا أبناءهم وينطلقوا خلف الوهم الكبير الذي يسمى "الحب "
د. مصطفى محمود: "الحب والهوى والغرام خداع ألوان, ما نراه في المحبوبة مثلما نراه في قوس قزح, جمال ألوان قوس قزح ليس من قوس قزح نفسه، ولكن من فعل نور الشمس على رذاذ المطر المعلق في الهواء.. فإذا غابت الشمس وجف المطر اختفت الألوان وذهب الجمال".
ولكل من أراد أن يعيش حبا أبديا إن أصابته شرارته عليه أن يهتم به ويحفظه ويبذل الكثير لكي يبقى ويكبر، أو أن يكون شجاعا ويصنعه بيده إن لم يصادفه. وهنا يوضح هرم الحب المراحل التي يتكون منها الحب، ويعتبر كل منها سبب نتيجة للأخرى حيث يحتاج الحب لكي يعيش.
هرم الحب يتمثل بـ" الاحترام ثم الفهم ثم القبول ثم الاهتمام ثم الشغف ثم الحب".
المرحلة الأولى هي الاحترام وهي قاعدة الهرم والأساس الذي يبنى عليه الحب الحقيقي إذ لا يعقل أن يوجد حب بين طرفين لا يحترم كل منهما الآخر، والاحترام هنا الحفاظ على صورة الآخر سواء فيما بينهما أو بين الناس أقرباء أو غرباء.
المرحلة الثانية هي الفهم حيث يأتي بعد الاحترام ويعني فهم كل طرف للآخر، ومعرفة ملامح شخصيته وطريقة تفكيره وتعامله مع الأمور وتمييز درجة التناسب بين الطرفين. فالحب هو تناسب النفوس والطبائع قبل تناسب الأجسام والأعمار والثقافات.
بعد الفهم الصحيح الذي يوضح مميزات وعيوب كل طرف يأتي القبول وطالما عرفت العيوب وتم قبولها من باب أن لا أحد كاملٌ ويخلو من العيوب هنا تأتي المرحلة الثالثة وهي القبول الذي يجلب الرضا المبدئي بهذه العيوب وهذا شرط أساسي للانتقال للمرحلة الرابعة وهي مرحلة الاهتمام . بعد قبول الاختلاف ووجود العيوب يبدأ الاهتمام والتعرف على جميع الأدوار المتعلقة بالطرف الآخر ومحاولة التأثير والتغيير ليزداد التفاهم، وكلما أبدى أحد الأطراف اهتماما زاد الطرف الآخر انجذابا.
المرحلة الخامسة هي الشغف حيث يتحول الاهتمام إن زاد إلى شغف وبمرور الوقت يشعر كل طرف أنه بحاجة لمعرفة كل أخبار الطرف الآخر ويرغب في تواجده الدائم معه ويهتم بكل شيء له علاقة به.
المرحلة السادسة وهي تعتبر قمة الهرم وعندها يدرك المحب أنه بحاجة شديدة إلى الطرف الآخر ولا يستطيع الحياة بدونه ويجب أن يراه في كل لحظة ويشاركه لحظات السعادة كما يجب أن يشكو إليه وبذلك قد وصل إلى قمة الحب.
د. مصطفى محمود: "العلاقة السوية على الأرض بين الرجل والمرأة هي علاقات المودة والرحمة. والرحمة تشتمل على الحب المطلوب لعمارة الأرض ونجاح الأسر. أما الحب صبابة والجفون غراما, والهلاك في مفاتن الخدود والقدود فذلك هو الجهل المحظور وهو لثم نحاس الأضرحة".
وقد تطوف بذهنك خيالات لعلاقات حب مضت توجعك ذكراها حينا وتهدد سكينتك حينا آخر فيستحيل معها الاستقرار والتعايش مع الشريك الذي لا يعلم ما يجول بخاطرك.
د. مصطفى محمود: "وحكايات الحب الأول مادة جيدة للذكرى ولكنها لا تصلح لتكون مادة حياة أو زواج، إنها الآن تثير دموعك.. لكنها غدًا لن تثير فيك إلا ابتسامة لطيفة".
الإنسان بطبيعته يحب من يحترمه ويفهمه ويتقبله بعيوبه ويهتم لأفراحه وأحزانه، فإذا عرف كل منا الأساس الذي يبنى عليه الحب استطاع أن يخلقه بيده ويسعد به، وعندها سيدرك أن ذلك الحب الوهمي الذي يشغل الأذهان إنما هو انجذاب لسراب سرعان ما يموت الساعي خلفه عطشًا.