لم يكن استشهاد الأسير ناصر أبو حميد من محافظة رام الله في سجون الاحتلال هو الأول، بل سبقه عدد كبير من شهداء الحركة الأسيرة، وصل عددهم الآن إلى 230 شهيدًا، أغلبيتهم بسبب الإهمال الطبي والتعذيب مما تسمى إدارة سجون الاحتلال، وهذه سياسة القتل المتعمد التي يتبعها الاحتلال وإدارته ضد الأسرى البواسل، على مر تاريخه الإجرامي لقتل الروح المعنوية للأسرى، ولصمودهم الأسطوري، وعزيمتهم الصلبة العصيَّة على الاستسلام والتفريط بالثوابت الوطنية.
لقد فقدت الحركة الأسيرة والشعب الفلسطيني مناضلًا ضحَّى بعمره وحريته، من أجل حرية وكرامة شعبه، على الرغم من المرض العضال الذي ألمَّ به في اعتقاله، وقد زجَّ الاحتلال به في أُتون سجونه لسنوات طويلة، دون تقديم العلاج المناسب لحالته المرضية، وعلى الرغم من ذلك صبر على الآلام، لأن حرية شعبه وزوال الاحتلال أهم من مرضه، ومثله أعداد كبيرة من الأسرى يعانون أمراضًا خطيرة مثل: مرض السرطان، والقلب، والسكر، والربو، وغيرها من الأمراض المزمنة، صابرين محتسبين في سجون الاحتلال، وبحسب وكالة "وفا" فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تحتجز في سجونها ومعتقلاتها نحو 4650 أسيرًا، موزعين على قرابة 23 سجنًا ومعتقلًا ومركز توقيف، من بينهم (551) أسيرًا صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد مدى الحياة لمرة واحدة أو لعدة مرات، وتشمل أعداد الأسرى 180 طفلًا، و32 سيدة وفتاة، و743 معتقلًا إداريًا، وأكثر من 600 أسير يعانون أمراضًا مختلفة، بينهم 23 أسيرًا مصابًا بالسرطان.
وسلطات الاحتلال تتعمد اغتيال الأسرى بطرق مباشرة وغير مباشرة معًا، منها: سياسة الإهمال الطبي التي تتبعها ضد الأسرى الفلسطينيين، ورفضها السماح لأطباء من خارج إدارة السجون بتقديم علاجات مناسبة لهم، وما تقدمه إدارة سجون الاحتلال ليس أكثر من المسكن (الأكامول) علاجاً أساسيًا وحيدًا لكل الحالات المرضية، وهذا في حد ذاته مأساة إنسانية تفاقم معاناتهم داخل السجون والزنازين، ويجعل الأسرى المرضى "شهداء مع وقف التنفيذ"، كما أن طرق وأساليب التعذيب التي تتفنن بها إدارة سجون الاحتلال للتنكيل بهم مصاحبة لسوء التغذية، وسوء حالة السجون من الناحية الصحية، إضافة إلى الضغوط النفسية التي تمارسها إدارة السجون، وحرمانهم من زيارة الأهل، وسياسة قمع الأسرى بإدخال الكلاب المسعورة لإرعابهم، وعوامل كفيلة بأن يتحول كل الأسرى الأصحاء إلى مرضى، وتحويل المرضى ذوي الأمراض العادية إلى أصحاب أمراض خطيرة.
لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بجريمة اغتيال الشهيد الأسير، بل وصل به الانحطاط إلى درجة احتجاز جثمانه، إضافة إلى احتجاز أكثر من عشرة جثامين لشهداء آخرين، قضوا نحبهم وراء قضبان سجونه ومعتقلاته منذ سنوات طويلة، أمثال الشهيد الأسير أنيس دولة (محتجز جثمانه منذ عام 1980م)، ما يدل على سياسة البلطجة التي يسلكها قادة الاحتلال، ولعل مقابر الأرقام شاهدة على إجرامهم المتواصل بحق هذا الشعب المحتل.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يحتجز الاحتلال جثمان الشهيد أبو حميد؟ هل يريد من ذلك إكمال مدة محكوميته التي حكمها قضاؤه العسكري عليه، وهي أربعة مؤبدات وخمسون سنة؟ أو يريد من احتجاز جثمان الشهيد توجيه ضربة إضافية إلى اتفاق أوسلو ورعاة التعاون الأمني؟ أليس هذا العمل منافيًا للمواثيق والأعراف الدولية المنصوص عليها باتفاقية جنيف الرابعة لحماية الأسرى التي يضرب بها الاحتلال عرض الحائط؟
يبقى استشهاد أبو حميد وصمة عار جديدة على جبين الاحتلال، ولعنة ستلاحقه إلى الأبد، وإن استشهاده نتيجة لسياسة الإهمال الطبي التي تمارسها سلطات الاحتلال وإدارات السجون ضد الأسرى الفلسطينيين، أمام مرأى ومسمع العالم قاطبة، الذي لا يحرك ساكنًا أمام انتهاكات وجرائم الاحتلال، ليس فقط بحق أسرى الحرية، بل بحق شعبنا وأرضه ومقدساته وممتلكاته أيضاً.
إن السياسة التي تتبعها سلطات الاحتلال القمعية، تهدف من ورائها إلى تصفية الحركة الأسيرة، فيجب أن يدق ناقوس الخطر أمام شعبنا؛ من أجل تكثيف التضامن مع الأسرى، الذين يواجهون اعتداءات إدارة السجون المستمرة، محاولةً النيل من عزيمتهم وصمودهم، والتضامن معهم، ورفع قضيتهم إلى المؤسسات الحقوقية الدولية؛ لفضح جرائم الاحتلال، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين الصهاينة.