رغم أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الاجتماع الاعتيادي للجمعية، بالأغلبية على قرار يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، يعد تصويتا رمزيا لن يغير من الواقع المرير والصعب على أرض الواقع، ولن يؤثر على المعاناة التي يعيشها أبناء فلسطين المحتلة، ولن يلزم دولة الاحتلال الإسرائيلي بوقف آلة القمع والإرهاب التي تستخدمها دائما لسرقة ما تبقى من الحقوق الفلسطينية المستندة إلى الحق التاريخي وقرارات الشرعية الدولية، التي تدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس، على حدود ما قبل 5 يونيو 1967، إلا أنه يعكس رؤية العالم في القضية الفلسطينية، وانحياز 168 دولة، ما يعني الغالبية الساحقة من الدول الأعضاء، للحق الفلسطيني في تقرير المصير، فيما شكَّل الرفض نسبة ضئيلة بلغت 5 دول فقط بينها الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم انزعاجي من فكرة التصويت ذاتها على حقوق ثابتة راسخة، من المفترض أنها مدعمة بقرارات الشرعية الدولية، والحق التاريخي لأبناء فلسطين في الداخل والخارج، في إعلان دولتهم المسلوبة، إلا أن هذا القرار يأتي في توقيت شديد الحساسية نتيجة تمادي الكيان الصهيوني في إرهابه الممنهج، وسط صمت دولي مريب، ما يجعله خطوة جيدة تشكِّل ردًّا طبيعيًّا على محاولات تقويض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ومواجهة علنية ضد الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وتأكيدا على الأصل المتمثل في قيام دولة فلسطينية، والذي يسعى هذا الكيان الغاصب على فرض أمر واقع مغاير بشكل محموم لتلك الحقوق، عبر خليط من القمع والعنف، الذي يهدف إلى تركيع أبناء فلسطين.
إن هذا التصويت الرمزي أظهر بشكل جلي أن واشنطن الحالية بإدارتها التي تتغنى برفضها الخطوات الترامبية الواضحة لدعم الكيان الصهيوني، غير جادة ، وأن انحيازها للكيان ودولته، ظهر من خلال رفض تمرير قرار رمزي لن يغني ولن يسمن من جوع، ولن يكون له على أرض الواقع من تأثير ملموس، ما يؤكد أن تشدق إدارة بايدن "بالسلام"، ما هو إلا شعارات، تسعى إلى إتاحة الوقت لدولة الاحتلال لتحقيق أهدافها الخبيثة، ويؤكد للحالمين العرب الذين يراهنون على دور أميركي فاعل، بأن أوهامهم تلك غير قابلة للتطبيق، وأن واشنطن بكافة إداراتها مهما تغير الخطاب والشعارات، ستظل تحمي دولة الاحتلال.
ويبقى الرهان الحقيقي على النضال الفلسطيني بكافة صوره وأشكاله التي تقرها القوانين الإنسانية والشرعية الدولية، وينتظر من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها لحماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، واتخاذ إجراءات عملية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، تتمثل في عقوبات رادعة تجبره على الامتثال والمُضي قُدمًا نحو تحقيق حل عادل وشامل، كما يظهر هذا التصويت ضرورة وحتمية تغيير نظام التصويت في مجلس الأمن، حتى يتسنى إقرار تلك العقوبات، بعيدا عن الحماية الاميركية عبر الفيتو، التي تجعل من الوصول لحل بعيد المنال، فالقضية الفلسطينية تعد إحدى أهم القضايا التي تظهر هذا العوار القائم في المنظومة الأممية، والذي يهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم.