أصدقكم القول إنني دوما لا ألقي بالًا للاجتماعات التي تُعقد بشأن القضية الفلسطينية أممية كانت أو دولية أو حتى عربية، خصوصا في المدة الأخيرة؛ لأنها دائما ما تخرج بمجموعة خطب وإكليشيهات باتت محفوظة، مليئة بالشجب والرفض والاستنكار الهزلي، الذي يجعل دولة الاحتلال الإسرائيلي تواصل عدوانها وإرهابها على الشعب الفلسطيني الأعزل دون الاعتداد بما تفرزه تلك الاجتماعات أو القمم، التي تتحول لمكلمة تهويل، لكنها في الحقيقة تؤكد للحكومات الصهيونية المتعاقبة أنها أمام منظومة عربية وعالمية عاجزة عن محاسبتها عما ترتكبه تلك الدولة الغاصبة من جرائم متواصلة ضد كل ما هو فلسطيني بدعم كيانات كبرى تقدم الحماية المطلقة، وتعمل على تسهيل وصول دولة الاحتلال إلى أهدافها.
وبرغم هذه العقيدة الراسخة لديَّ، إلا أن مؤتمر القدس «صمود وتنمية» الذي احتضنه مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، أعطى لديَّ بعض الأمل في تغيير المجموعة العربية لطرق مواجهة الكيان الصهيوني، فبعيدا عما شمل البيان الختامي من تأكيد على مواقف سابقة تؤكد الحق الفلسطيني بقرارات أممية ودولية، وجدت أخيرا توجها ولو بسيطا لدعم التحركات الفلسطينية الساعية لمحاسبة دولة الاحتلال ومجرميها.
فقد أعلن البيان الختامي البدء، من خلال هذا المؤتمر، بتنفيذ قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستويي القمة والوزاري، في دوراته المتعاقبة، بتشكيل لجنة استشارية من خبراء القانون الدولي في إطار جامعة الدول العربية؛ بهدف دعم الجهود والمساعي الفلسطينية الهادفة إلى إنصاف الشعب الفلسطيني ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الحالية والتاريخية المرتكبة بحقه، عبر آليات العدالة الدولية، وتقديم المشورة القانونية والمساندة الفنية والمالية اللازمة لهذه المساعي.
وهي خطوة مهمة جدا يجب البناء عليها، فتلك الدولة القائمة بالاحتلال لن تستمع للدعوات أو المطالبات أو الاستنكار والشجب، بل سترضخ إذا تضررت المصالح، وبدأت المحاكمات الدولية لمجرمي الحرب لديها وما أكثرهم، خصوصا أن عددا كبيرا منهم يشاركون في التشكيل الحكومي المتطرف الحالي، وهي خطوة على الرغم من بساطتها إلا أنها تشكل بداية جيدة.
وانطلاقة مغايرة للعقلية العربية قد يكون لها مردود في المستقبل، خصوصا أن المؤتمر ربط تلك الخطوة بخطوة أخرى ستعزز من صمود الشعب الفلسطيني، وهي دعوة جميع الدول والمنظمات والصناديق العربية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني إلى ترجمة الدعم السياسي إلى تدخلات عملية تشمل توفير الدعم والتمويل اللازم في مجالي التنمية والاستثمار، وفق خطة تنموية فلسطينية تهدف لإنقاذ المدينة المقدسة وحماية مقدساتها وتعزيز صمود أهلها ومؤسساتها، في مواجهة الخطط والممارسات الإسرائيلية لتهويد المدينة وتهجير أهلها.
إن تلك الخطوة، إن تمت واستجابت إليها الصناديق المذكورة والقطاع الخاص العربي، ستعمل على تعزيز صمود أهل القدس في مدينتهم، وتمكينهم من مواجهة السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تقويض وجودهم في القدس وتهجيرهم منها، ليكون مؤتمر القدس الأخير نقلة نوعية وإن كانت بسيطة، نحو فهم أعمق لحقيقة الصراع، بعيدا عن الشعارات الجوفاء التي أثرت سلبيًّا في القضية الفلسطينية ومكتسباتها طوال عقود الصراع. فتلك النقاط التي ذكرت تشكل بداية جديدة، خصوصا إن ارتبطت بعقوبات اقتصادية عربية لكل من يتعاون اقتصاديا مع تلك الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي تمارس أبشع الجرائم دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا، فبالمصالح وحدها يتحرك الصمت الدولي وليس بالشعارات، خصوصا أن المنطقة العربية تمتلك مقوِّمات اقتصادية تستطيع من خلالها استرجاع الحقوق العربية والفلسطينية