نظّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مهرجانًا حاشدًا، في مدينة غزة، بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيسها، وقد شهد المهرجان فقرات عديدة تخللها عروض عسكرية نوعية، وكلمتان لقائد الحركة في قطاع غزة، يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، محمد الضيف، ما منح المناسبة زخمًا كبيرًا، وترك خلفه عددًا من التساؤلات، بشأن الرسائل التي سعت قيادة حركة حماس لإرسالها عبر فعاليتها الجماهيرية، التي وصفت بالاستثنائية.
شهد المهرجان حضورًا لافتًا من قيادات الفصائل الوطنية كافة، بما فيها حركة فتح، ممثلة بعضو اللجنة المركزية للحركة، أبو ماهر حلس، إضافة إلى قيادة التيار الإصلاحي في حركة فتح بقيادة محمد دحلان، والحركات اليسارية، وقوى المقاومة، وقيادة حركة الجهاد الإسلامي التي تحدث القيادي البارز فيها نافذ عزام نيابة عن الفصائل الفلسطينية. وقد سعت حركة حماس لإبراز قدرتها على حشد القوى الفلسطينية كافة، في رسالة وطنية وحدوية، وأرادت إرسال عدد من الرسائل وسط حضور وطني وشعبي حاشد، لتؤكد أنها رسائل المقاومة التي تحظى بالشرعية الشعبية والوطنية، وليست رسائل خاصة بحماس وحسب، وهو ما انعكس على التوافق بين مضمون كلمتَي قيادة حماس وكلمة الفصائل.
رفعت حركة حماس شعار انطلاقتها الـ35 "آتون بطوفان هادر"، وفسّر التصميم الفني لخلفية المنصة معنى الشعار، الذي أظهر طوفانًا بشريًّا هادرًا زاحفًا نحو المسجد الأقصى من الجهات كافة، رافعًا أعلام الدول العربية والإسلامية، مع التركيز على إبراز علم الجمهورية الإسلامية في إيران، والجزائر، وسوريا ولبنان والعراق واليمن وقطر وتركيا ومصر والأردن. وأكدت رسائلها من خلال صور الشهداء العرب والمسلمين والتي رفعت في المهرجان، مثل محمد الزواري وعماد مغنية وقاسم سليماني، وعبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسام وغيرهم. واختارت الحركة كلمات أغنية المهرجان، من شعار الانطلاقة نفسه "آتون بطوفان هادر"، ومضمونها يؤكد مسار التحاق شعوب الأمة بالطوفان الذي تتقدمه جحافل المقاومة الفلسطينية، والذي سيقتلع عدوها من الأرض المقدسة، ويحرر المسجد الأقصى المبارك.
ألقت حماس بكل ثقلها السياسي والعسكري والشعبي والوطني، حتى تزيل أي لبس عن رسائلها التي أرادت إيصالها، في ذكرى التأسيس في 14/12/1987، فتحدث كل من رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وقائدها في قطاع غزة، يحيى السنوار، المُقِل في إطلالاته الإعلامية، وكان آخر ظهور إعلامي له قبل نحو نصف عام، كما صدح صوت قائدها العسكري محمد الضيف، والذي شبّهته أوساط العدو باتخاذ قرار بإجراء تجربة نووية على مسمع حشد جماهيري واسع وتمثيل فصائلي كبير في قطاع غزة.
فماذا تريد حركة حماس من وراء هذا الثقل النوعي والكمّي غير المسبوق؟ وما رسائلها؟ ولمن؟
أبرز الرسائل والأطراف المستهدفة:
- الرسالة الأبرز موجّهة إلى العدو الصهيوني، وفيها تحذير صريح لحكومة اليمين الصهيونية الفاشية القادمة من تحويل المعركة معه إلى حرب دينية، في حال استمر في عدوانه على القدس والمسجد الأقصى، وفيها تحذير أيضًا للمجتمع الدولي من الاستمرار في الصمت على جرائم الاحتلال.
- تمتلك حماس قدرات عالية على تقدير موقف العدو، وهي قدرت أن اليمين الفاشي سيشكل حكومة العدو القادمة، ما رفع من مستوى جهوزيتها لمواجهة سياساته العدوانية الإجرامية خلال عام 2023، تجاه قضايا القدس والضفة والداخل المحتل والأسرى.
- لن تتردد المقاومة في تكرار ما حدث في معركة "سيف القدس"، وبالرغم من أن العدو استمر في سياساته تجاه القدس والأقصى، آثرت قيادة المقاومة تفعيل أدوات الضغط على العدو ما دون الحرب، نظرًا إلى حسابات موضوعية، لكنّ سلوك حكومة اليمين الفاشية سيضع المنطقة على حافة الهاوية.
- في حال لم تنجح المفاوضات غير المباشرة حول تبادل الأسرى، خلال مدة زمنية محدودة، فإن المقاومة قد تلجأ إلى تنفيذ عمليات أسر جديدة.
- الرسالة الموجّهة إلى الأمة الإسلامية ومحور القدس تفيد بحساسية المرحلة القادمة ودقتها في ظل السياسات المتوقعة لحكومة العدو القادمة، ما يستدعي رفع مستوى الجهوزية لتطور الصراع مع العدو، وإمكانية تدحرجه إلى صراع شامل ومواجهة متعددة الجبهات.
- استطاعت المقاومة أن ترمم قدراتها العسكرية ما بعد معركة "سيف القدس"، وراكمت قدرات عسكرية أكبر، لا سيما قدراتها الصاروخية، ما يعني أن المواجهة القادمة ستكون أكثر إيلامًا للعدو.
- ركّزت الرسائل الداخلية على حركة فتح، لا سيما في الضفة الغربية المحتلة، وأشارت إلى وجود تنسيق وتعاون ميداني وعسكري بين تيار المقاومة داخل حركة فتح وحركة حماس والجهاد وفصائل مقاومة أخرى، وستشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من التنسيق في ظل حكومة العدو الفاشية، الأمر الذي يفتح نافذة فرص لاستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة مواجهة مشاريع التهويد والضم والعدوان الصهيونية، وإنهاء السلطة للتنسيق الأمني وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، وكذلك أرسلت قيادة الحركة رسالة دعم وإسناد إلى الداخل الفلسطيني المحتل.
عكست الرسائل الحمساوية ثقة أكبر بالمسار الذي تنتهجه الحركة بعد 35 عامًا على تأسيسها، وتجاوزت عديدًا من التحديات التي تمثلت في اغتيال عدد كبير من قادتها ومؤسسيها، وواجهت حصارًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ما زال قائمًا منذ 16 عامًا، وخاضت مع قوى المقاومة معارك وجولات عسكرية مع العدو، وتأمل الحركة أن يتم استنهاض الأمة للدفاع عن القدس والأقصى، وتحريك الساحات والجبهات في داخل فلسطين وخارجها على قاعدة مركزية القضية الفلسطينية وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى.