امتنعت الغالبية العظمى من الناخبين التونسيين عن التصويت، السبت، في اقتراع لاختيار أعضاء برلمان مجرّد من سلطات فعلية في خطوة تشكل الحجر الأخير في بناء نظام رئاسي معزّز يسعى قيس سعيّد إلى إرسائه منذ احتكاره السلطات في البلاد صيف 2021.
وسيحل مجلس النواب الجديد المكون من 161 نائبًا بسلطات محدودة للغاية، محل المجلس الذي جمّد سعيّد أعماله في 25 تموز/يوليو 2021 قبل أن يحلّه بحجة التعطيل الذي عاشته المؤسسات الديمقراطية الناتجة من الثورة التي أسقطت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عام 2011.
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أن نسبة المشاركة بلغت 8,8% مع إغلاق غالبية مراكز الاقتراع في السادسة مساء (17:00 بتوقيت غرينتش).
وجاء في تدوينة لحركة "النهضة" على حسابها الرسمي تعليقًا على نتائج الانتخابات "شكرًا للشعب التونسي العظيم ويسقط الانقلاب"، فيما قال أمين عام الحزب الجمهوري في تونس، إن "الشعب نزع اليوم القناع عن مسار الانقلاب بشكل نهائي وعلى قيس سعيد التنحي".
وقال حزب العمال في تونس إن "حجم المشاركة الهزيل جدًا في الانتخابات ينزع كل شرعية عن مجمل منظومة 25 يوليو الانقلابية".
ومن ناحيتها، ذكرت جبهة الخلاص الوطني، أن "الستار أسدل اليوم على الفصل الأخير من أجندة قيس سعيّد، نعتقد أن نسبة المشاركة في الانتخابات لم تتجاوز 2% ولا شرعية اليوم لقيس سعيّد".
وأضافت "قيس سعيّد فقد كل شرعية ولم يعد رئيسًا لتونس، هذه لحظة الوحدة لتخليص تونس وسنحقق في القريب العاجل سقوط سعيّد".
وأبدت جبهة الخلاص الوطني دعمها لتولي قاض رفيع إدارة فترة انتقالية ومنذ هذه اللحظة لا شرعية لسعيّد، ونطالب بإلغاء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية حتى يتوقف إهدار المال العام.
كما طالبت باستقالة جميع أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مشيرة إلى أن الشعب التونسي أسقط اليوم المشروعية الشعبية عن الانقلاب".
واعتبرت جبهة الخلاص الوطني أن "مسؤولية إسقاط الانقلاب مسؤولية مجتمعية ولكنها بحاجة إلى قيادة واضحة، ومن حق التونسيين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كما أن رسالة الشعب التونسي اليوم كبيرة ومهمة وندعوه إلى الانخراط في مسار إسقاط الانقلاب".
وأوضحت "سنعمل على عزل سعيّد وعلى إجراء انتخابات رئاسية، فما حدث اليوم زلزال وعلينا جميعا إيجاد طريق للخلاص".
وستعلن النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، الإثنين، على أن تجرى دورة ثانية لحسم مصير عدد من المقاعد بين شباط/فبراير وآذار/مارس المقبلين.
وهذه أدنى نسبة مشاركة للناخبين منذ ثورة 2011 بعد نسب قياسية بلغت 70% في الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر 2014، وهي أقل بثلاث مرات من النسبة المسجلة إبان الاستفتاء على الدستور الجديد هذا الصيف (30,5%) الذي شهد أصلًا امتناعاً قويًا عن التصويت.
وكان الرئيس سعيّد قد حاول في الصباح حشد تسعة ملايين ناخب قائلًا إن هذه الانتخابات "فرصتكم التاريخية حتى تستردوا حقوقكم المشروعة".
وقاطعت غالبية الأحزاب السياسية في تونس وفي مقدمها حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية والذي كان أكبر الأحزاب في البرلمان منذ 2011، الانتخابات وقالت إنها لن تعترف بنتائجها. كما وصفها "الاتحاد العام التونسي للشغل" (النقابة العمالية المركزية) بأن "لا لون ولا طعم" لها.
من العوامل الأخرى التي تفسر الإحجام الواسع عن التصويت أن المرشحين وعددهم 1055 غالبيتهم غير معروفين، وتمثل نسبة النساء منهم أقل من 12%.
وأجريت الانتخابات على أساس الترشحات الفردية وليس الحزبية، ووفق تقسيم جديد للدوائر جعلها أصغر بكثير من السابق.
ويظل الشغل الشاغل لـ 12 مليون تونسي، بمن فيهم تسعة ملايين ناخب مسجل، ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضخم يناهز 10% واستمرار فقدان بعض المواد الغذائية المتكرر على غرار الحليب والسكر.
ولم تكن الأجواء مختلفة في بقية أنحاء البلاد.
وبموجب الدستور الجديد، لا يمكن للبرلمان عزل الرئيس وسيكون من المستحيل تقريبًا أن يوجه لائحة لوم للحكومة.
ويحتاج اقتراح مشروع قانون إلى إجماع عشرة نواب، فيما تعطى أولوية النظر إلى مشاريع القوانين التي يقترحها رئيس الجمهورية.
وتبدو هذه الانتخابات مفصلية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلاد.