لم تكن من قبيل الصدفة أن تحمل بطولة كأس العالم في نسختها رقم "22"، هي النسخة ذاتها الذي دافع فيه النجم العربي المصري محمد أبو تريكة صاحب الرقم "22"، عن فلسطين وشعبها وقضيتها قبل وأثناء وبعد كأس العالم قطر 2022.
إنها الأرقام يا سادة التي تأتي جزافاً، بل إن لأصحابها نصيب بها وبغيرها من الأرقام والسلوك غير المسبوق.
سنظل نُحب قطر التي فتحت أرضها وسمائها لفلسطين وقضيتها حتى أصبح الجميع يُطلق على النسخة "22" لبطولة كأس العالم بأنها كأس فلسطين وقضيتها العادلة.
سنظل نُحب محمد أبو تريكة الذي كان أبرز من تعاطف مع فلسطين وقضيتها من بين نجوم العرب والمسلمين في العالم، والتي بدأت تظهر على العلن في كأس أمم أفريقيا عام 2008، والتي كشف فيها عن قميص أبيض يحمل عبارة "تعاطفاً مع غزة"، بعد تسجيله هدفاً في مرمى المنتخب السوداني.
كيف لا نحبه وهو ابن مصر العظيمة حاضنة القضية الفلسطينية ؟، وكيف لا نُحب ونعشق محمد أبو تريكة وهو ابن النادي الأهلي المصري الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوب الفلسطينيين ؟، وكيف لا نُحب محمد أبو تريكة الذي لم يكن تكن عبارة "تعاطفاً مع غزة" مجرد شعار سيندثر مع مرور الأيام والسنين ؟.
لقد أحيا محمد أبو تريكة الكثير في قلوب وعقول أبناء الشعب الفلسطيني صغيرهم قبل كبيرهم، الذين يرون فيه قدوة لهم في سلوكه وقيمه ومبادئه التي لا تُشترى ولا تُباع.
ولم تكن مواقف محمد أبو تريكة مجرد كلام، فقد كان يُعبر عن قيم دينية وإنسانية وأخلاقية خلال المونديال وقبل، حيث عبر على شاشة القناة الرياضية العربية والدولية الأشهر في العالم "be in sports"، وكأنه يقول لك "be in principles"، أي كن مع المبادئ وداخلها، حيث أن المبادئ لا تتجزأ بالنسبة له في حياته الرياضية والشخصية والمهنية.
فقد كان أبو تريكة كما كانت قطر مع النظام والقانون والقيم والمبادئ ولم تخشَ ولم يخشَ في قول كلمة الحق لومة لائم، فهذه هي المبادئ والقيم التي يجب على الجميع أن يتحلى بها.
لقد عبرت قطر وأبو تريكة صاحبي الرقم "22" عن مبادئ لم تكن ليتم التعبير عنها في مكان آخر أو مع شخص آخر أو في بطولة أخرى غير قطر وأبو تريكة، حيث أقيمت البطولة الأكبر في العالم وفق ما أرادته قطر وأبو تريكة، من حيث رفض "المثلية" ورفض المشروبات الكحولية ورفض التعري ورفض الإسفاف خلال كأس العالم 22 التي تعتبر أعظم نسخة لكأس العالم في الماضي والحاضر والمستقبل.
لقد عشت قرابة الأربعة أشهر على مقربة من محمد أبو تريكة عندما كنت في القاهرة عام 2009 بعد انتهاء الحرب على غزة، وعشت لحظات يُسجلها التاريخ عندما كنت أتابع كل تدريبات الأهلي بمساعدة الكابتن رمزي صالح حارس مرمى الأهلي في ذلك الوقت.
لقد ندمت كثيراً على أنني لم أطلب من رمزي صالح أن ألتقي وجهاً لوجه مع أبو تريكة لأصافحه ولأقول له بأنه إنسان من عالم آخر غير الذي نعيشه، وستبقى صورة أبو تريكة محفورة في عقلي وقلبي ما حييت، وسأبقى على أمل اللقاء به لأقول له ما لم أقله له في العام 2009.
وفي حقيقة الأمر أنه مهما كتبنا كإعلاميين عرب ومسلمين عن ما قدمته قطر في كأس العالم من قيم ومبادئ ومساحة كبيرة لفلسطين وقضيتها لم ولن تتكرر في نسخة أخرى من كأس العالم، وما قدمه أبو تريكة لدينه ودنياه ولكرة القدم المصرية والعربية ما لم ولن يُقدمه لاعب عربي ومسلم، مع احترامي لكل من خدم القضية الفلسطينية سواء بكلمة او بسلوك.
هنيئاً لقطر هذا التنظيم المثالي، وهنيئاً لأبو تريكة الإنسان والمفكر والمحلل على قدمتماه للعالم من صورة مشرفة للإسلام وللإنسانية معاً، وهنيئاً لمصر مواطنها الصالح الذي يُعبر عن طبيعة هذا الشعب العربي الأصيل، وهنئاً لكل من أعطى لقطر ولأبو تريكة ولمصر حقهم وربما أقل مما يستحقوه من شكر وثناء واحترام وتقدير وحب لا متناهي.