بدا لافتا أن يعلن رئيس حكومة الاحتلال المكلف بنيامين نتنياهو، عن منصة الكنيست، أن الكيان لن يتحول "دولة شريعة، وسنحافظ على طريق اليمين الليبرالي"، عقب نشر المطالب التي عرضها المتدينون في المفاوضات الائتلافية، في حين حذرت المعارضة التي توشك أن تغادر الحكم من سيطرتهم على مفاصل الدولة والوزارات الحيوية، ولا سيما التعليم الذين يسعون لجعله تلموديًّا صرفًا، بعيدًا عن الجغرافيا والرياضيات والحاسوب!
مع أن فوز اليمين بهذا التفويض الواسع ذي الـ64 مقعدًا، كان يفترض أن يجعل مهمة تشكيل الحكومة كنزهة في الحديقة، لكن شهرًا ونصفًا مرّا على انتهاء الانتخابات، ومن الواضح أن مطالب اليمين في المسائل الدينية البحتة تقرّب نتنياهو من الغرق في وحل مستنقعهم، لأن شركاءه اليمينيين، من المتدينين تحديدا، يضغطون عليه، ويبتزونه، ويهددونه.
في المقابل، فقد أظهرت اتفاقيات الائتلاف، ولا سيما الخاصة بالقوى الدينية الحريدية مدى رغبتها بـ"التهام" الحكومة، لأن مطالبها وضعت يدها على عمق الجرح الذي يعيشه نتنياهو، وتحوّل تشكيل الحكومة الذي اعتقد أنه في متناول اليد إلى مهمة تقترب من كونها مستحيلة، بعد أن طلب تمديد التفويض لأيام أخرى، على عكس كل التوقعات.
ووسط تبادل الاتهامات بين المتدينين والعلمانيين اليهود يمكن القول إن دولة الاحتلال دخلت نفقا جديدا في خلافاتها الداخلية، بالانتقال من التباين السياسي حول مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، إلى الاستقطاب حول هوية الدولة، بين كونها يهودية تلمودية وفق الشريعة، أو علمانية ليبرالية، كما تأسست قبل أكثر من سبعة عقود على أنقاض فلسطين المحتلة.
لمزيد من التفاصيل، يجري الحديث بين أقطاب الائتلاف اليميني قيد التشكل، حول مجموعة من المسائل التفصيلية ذات الطابع الرمزي، ومنها النشاط التجاري يوم السبت، بزعم عدم تدنيسه، ودمج المفاهيم التلمودية في المناهج الدراسية التعليمية الحكومية، وتوسيع الشواطئ المنفصلة بين الجنسين، ومنع إدخال الفطير في عيد الفصح للمستشفيات، وتعزيز دراسات التوراة للتلاميذ العلمانيين.
بل إن الأمر وصل بعضو الائتلاف الحاخام آفي ماعوز إلى اتخاذ مواقف عدوانية ضد اليهود العلمانيين، ومعارضته خدمة النساء في الجيش، عادًّا أن أعظم مساهماتهن في الدولة أن يتزوجن، وينجبن فقط، ورفض جلب "الوثنيين" إلى الدولة، خاصة من يهود الاتحاد السوفيتي السابق، لأن من شأنه تغيير هويتها اليهودية، ما هدّد بإثارة مزيد من الانقسامات بين اليهود أنفسهم، والقول "إننا دخلنا عصر الظلام".
لم يتوقف الخلاف عند هذه المطالب، بل وصل إلى اتهام الحريديم بأنهم سيوقفون إنتاج الكهرباء يوم السبت، امتثالا للتوراة، بزعم أنه توجد مائة ألف أسرة يهودية لا تستخدمها في هذا اليوم، بل يستخدمون المولدات المشحونة، ورغم عدم علمي بهذه التفصيلة، لكنها نفق جديد لا يعلم أحد إن كانت حكومة نتنياهو سترى النور، بعد أن تتوافق حولها أم لا!